كلما زادت التأكيدات المحلية والخارجية بأن ​الانتخابات​ النيابية ستجري في موعدها وبشكل طبيعي، كلما زادت العوائق والصعوبات التي تظهر كالسحر، لوضع الشكوك امام مسار هذا الاستحقاق الدستوري. آخر هذه المعوقات، كان موضوع تأمين ​الكهرباء​ لمراكز الاقتراع والفرز في اليوم الانتخابي الطويل المزمع اجراؤه، وعلى غرار الافلام، تتعقد المسألة الى حدّ استحالة حلّها قبل ان يحثّ العقل الخارجي الفكر الجهنّمي الداخلي على استنباط الحلول الناجعة التي غالباً ما تثمر حلولاً موقتة.

قصة الكهرباء ليست الوحيدة ولكنها الأحدث، وهي تسير على خط مواز مع قصة تأمين الاموال التي، على ما يبدو، تعدّت تلك التي خصّصتها الدولة لحسن سير العملية الانتخابية، حيث لم تتوحّد الارقام في هذا السياق، على غرار عدم توحيد الارقام بعد لجهة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولو انها اصبحت اكثر تقارباً من قبل.

هنا، بات على الراعي الدولي اظهار مدى جديته واصراره على اجراء الانتخابات، وهو لن يقدم بالطبع الهبات إاجرائها، ولكنه قد يعتمد على القروض للامعان في اغراق لبنان في الديون من جهة، وضمان القبض على طريقة ادارة البلد في المرحلة المقبلة من جهة ثانية. انها الحرب العالمية الثالثة التي يعيشها لبنان، انما هي اقتصادية وماليّة بحت، وهناك من يقول من باب المزاح انه لو شهد العالم بشكل واقعي حرباً نووية، فإن اللبنانيين هم الوحيدون الذين لن يشعروا بتأثيرها لا بل سيكون لديهم افضلية عن غيرهم من الشعوب لانهم اصبحوا يعلمون كيفية تأمين احوالهم بأنفسهم وفي اقسى الظروف واصعبها. هذا من باب المزاح، ولكن من باب الجدية، فإن قطار الانتخابات يسير بخطى متأنّية، والاصرار الدولي لا يبدو انه يتوقّف عند اي محطة من المعوقات، بدليل كمية الاموال التي تم ضخها، ولا تزال، للاعلانات الانتخابية واللقاءات الشعبية والمساعدات التي تعطى تحت ذريعة الانسانية، ناهيك عن ضخ الكمّيات من الدولارات للترويج الاعلامي ايضاً للمرشحين. وبناء على ما يتم تداوله من معطيات، فإن مشكلة الكهرباء التي ظهرت اخيراً، معطوفة على مشكلة الاموال، يملك السياسيون مفتاح حلها.

لا شك ان التصعيد السياسي هو لارضاء المرحلة الانتخابيّة، ولا شك ايضاً ان هناك ملفات من غير الممكن البتّ بها حالياً ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ملفّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف، وملف قلق شريحة مهمّة من الاحزاب والتيارات السياسية على مصالحها وحضورها في البرلمان المقبل بفعل التحالفات غير المنطقيّة وغير المتوقعة التي حصلت في الآونة الاخيرة، ولو انها موقتة بطبيعة الحال وقد تنتهي مع اعلان النتائج.

وليس سراً انه كلما اشتدت الحملة على الحاكم والمصارف، انعكست سلباً على الوضع المالي والنقدي في لبنان على اكثر من صعيد، فلا الذين يرغبون في "التخلّص" من عبء سلامة والمصارف قادرون على تحقيق ذلك لأسباب عديدة وغير محصورة في الواقع المحلي فقط، ولا الذين يدعمون الحاكم والمصارف قادرون على انهاء رغبة من يختلفون معهم في هذه الرؤية، فتستمر بذلك لعبة شدّ الحبال. ومن غير المتوقع، انتهاء هذه اللعبة السَمِجَة، لان تداعياتها ستبقى حاضرة حتى ما بعد بعد الانتخابات النيابية والرئاسية ايضاً، ريثما تنجلي الامور بشكل واضح بالنسبة الى مصير المنطقة ككل، مع كل ما يعنيه ذلك من انتهاء المفاوضات الجارية في اكثر من بقعة في العالم، والتي تؤثر كلها على الاحداث في الاقليم عموماً ولبنان بشكل خاص، وهو امر اعتاده اللبنانيون لكنهم يعيشونه اليوم بمنحى بالغ القساوة.