ان الزمن الذي يتعهده الدين بجملة من الطقوس ويعِد على ادائها المتدين بالعطاء المعنوي والمادي هو زمن مقدس .

فالايام التي جعلها دين ما ذات خصوصية عبادية، وقْعها عند الانسان المتدين يختلف عن وقْع غيرها من الايام، وان غير المتديّن لا يلحظ هذا التفاوت فهو لا تعنيه اي دلالة دينية.

فإن هذه الأيام هي ازمنة مقدّسة يشكل المرور فيها مع الاغفال عن خصوصيتها خطر على تديّن الإنسان وعلاقته مع ربه، لكن يمكن للإنسان المتدين ان يتجاوز هذه المخاطر المحتفى بالزمن الخاص به من خلال ممارسة الشعائر، فيعبر إلى الزمن العادي وهو آمن مطمئن مغتنما فرصة مروره بهذه المناسبة الزمنية الخاصة كاسبا للعطاء الغيبي الذي جعل بواسطتها .

المقدس في الاسلام

الاسلام يرى ان القداسة في الاصل لله وحده، وان الاشياء والاماكن والأزمنة والأشخاص والالفاظ تكتسب القداسة بارتباطها بالله، فالقرآن كتاب مقدس لانه كتاب الله والنبي هو الإنسان الكامل المقدّس لانه رسول من الله.

فلا قداسة بالأصل الا لله، وكل مقدس تجلّى في عالم الدنيا هو انعكاس لقدسيّة الله في السماء حتى صار الاقتراب منه والتنبه لقدسيته هو محاولة التقرب من الغيب.

والمقدّسات لها مناشئ دينية ولها وظائف ضرورية لاستقامة الانسان، انها منافذ دنيوية للعبور إلى الغيب، ان المتدين يعبر بالمكان المقدّس والزمان المقدس، ومن خلال الولي المقدس من عالم المادة إلى الغيب، وهذه الوظائف ضرورية للمتديّن اذ لا يمكن له الوصول إلى تلك الساحة الغيبيّة الا من خلال المنافذ والجسور التي يحددها الدين نفسه.

قداسة شهر رمضان

شهر رمضان شهر عظيم المنزلة في الاسلام، نسبه الله اليه تبيانا لرفعته وتثبيتا لقدسيته، فهو شهر مقدس وزمانه زمان خاص لا يجاريه غيره من الازمنة ولا يضاهيه شهر من الشهور. ولعل ما ورد في خطبة النبي صلى الله عليه وآله في استقبال الشهر تأكيد على ذلك، حيث قال ان ايامه وساعاته افضل الأيام والساعات، كي يدفع احتمال وجود يوم خارج الشهر يضاهي يوما من ايام شهر رمضان فضلا.

وهو شهر ضيافة الله، ولأن الزمان الواقع ضمن شهر رمضان منسوب اليه، كان دخولنا فيه هو دخول على خصوصيات الله، ومثال ذلك المسجد فانه بيت الله، من دخله كان ضيفا لله، وليس المكان المنسوب اليه بأعز من الزمان بل ان دخولنا بيت الله يحصل باختيارنا وعن ارادتنا، بينما دخولنا في زمان مقدس كشهر رمضان يحصل قهرا وهذه ميزة فارقة.

الصوم ومنافعه

والصوم هو الشعيرة الابرز في الشهر الفضيل، وحقيقته الكفّ عن تناول الطعام والشراب وكذا ترك الجُماع وغير ذلك وكله خلال النهار.

واول اثار الصوم الجوع، والجوع له فوائد على مستوى الروح والبدن نذكر منها:

-ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله حيث قال: أجيعوا ابدانكم لعل قلوبكم ترى الله عز وجل. وهي أشرف آثاره ومعناه اليقين بالله وبآياته، فان قهر سلطان البدن يلازمه تحرّر القلب من ثقل الشهوة .

-ورد عن علماء الاخلاق ان الجوع له فوائد عظيمة، منها صفاء القلب لأن الشبع يكثر البخار في الدماغ فيعرضه شبه السُكر، فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الافكار، والجوع عكس ذلك يهيّئ القلب لإدمان الفكر الموصل إلى المعرفة.

-من آثاره الشعور بالانكسار والسكون، ما يحدّ من طغيان النفس وزهوها وغرورها.

- ومن اثاره كسر سلطان الشهوة باعتبارها سببا لركوب الكثير من المعاصي والخطايا.

- منها إراحة البدن من كثرة الطعام فتقل معه الأمراض.

مظاهر راقية

كذلك يمتاز شهر رمضان ببعض المظاهر الراقية التي تكشف عن تجذّر قيم التكافل والتعاون والإلفة بين المسلمين ومنها:

-كثرة الصدقات والمساعدات الاجتماعية، بعد تأكيد النصوص الدينية على تضاعف الاجر والثواب على الصدقات المالية في هذا الشهر.

-اقامة الموائد العامة للايتام، وتوزيع الافطارات اليومية على بيوت الفقراء.

-الزيارات والضيافة المتبادلة بين الأرحام والاصدقاء، فيجتمع الاهل والأولاد والإخوان ويفطرون سويا، وتكثر اللقاءات والسهرات فيأنس الناس ببعضهم.

-من اثاره مواساة الاغنياء للفقراء في الشعور بالجوع والانقطاع عن ملذات الطعام والشراب مما يحثهم على التصدق والبر.