رأى وزير الخارجيّة ​عبدالله بو حبيب​، أنّ "عودة السّفيرين السّعودي والكويتي وسفراء دول الخليج إلى ​لبنان​، أهم من تقديم هذه الدّول المساعدات الماليّة للبلد، الّتي لم تُبحث في الآونة الأخيرة. ونقل معطيات عمّا وصفه بـ"تقدّم هائل"، لمسه خلال لقائه نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أثناء زيارته الأخيرة إلى بيروت، في شأن الحلّ السّياسي في ​اليمن​.

وأشار، في حديث لـ"إندبندنت عربيّة"، إلى أنّه "لم يحصل بحث بين لبنان ودول الخليج، خلال المبادرة الكويتية المشكورة، لا على المستوى العالي ولا على المستوى الاقتصادي، بقضيّة تقديم مساعدات للبنان، بل نحن كنّا نشدّد على أنّ عودتها إلى لبنان هي أهمّ من أيّ مساعدة تقدّمها. وعودتها تعني عودة السفراء"، مذكّرًا بأنّ "معظم دول الخليج كانت حاضرة في مؤتمر "سيدر"، ودول الخليج كلّها ممثَّلة في ​صندوق النقد الدولي​، وفي إمكانها التّأثير من خلال مؤتمر "سيدر" ومن خلال صندوق النقد. ومن هذا الباب يمكن أن تحصل مساهمتها".

وبيّن بو حبيب أنّ "العلاقات عاديّة مع معظم الدّول الخليجيّة، لأنّه لم يتمّ قطع العلاقات عند اندلاع الأزمة. وفي ​السعودية​ كان لنا دبلوماسي في الرياض، وآخر في جدة، حين جرى سحب السّفير. وفي الكويت ظلّ دبلوماسيّان يتابعان الأمور. وكذلك في الإمارات وعمان وقطر. البحرين كانت الدولة الوحيدة التي لم يكن لنا فيها دبلوماسي، حيث سفارتنا صغيرة، وهي لم يكن لها سفير في لبنان". وأوضح أنّ "الاتّصالات كانت دائمة، ولم تقطع العلاقات بيننا وبين هذه الدول، بل سحب سفراء، وطلبت من سفرائنا العودة إلى لبنان. وقطر والإمارات لم يكن لهما سفير في بيروت. أمّا عمان فسفيرها موجود".

وأكّد أنّ "رسمياً لم يمسّ، ولن يمسّ بأيّ من دول الخليج. لبنان بلد حريّات ولا يمكن ضبط اللّبنانيّين من الإدلاء برأيهم في أيّ موضوع في العالم، هذا يخالف التّقليد اللّبناني. كدولة لم نمسّ مرّةً دول الخليج، لا سياسيًّا ولا اقتصاديًّا، وما تقوم به دول الخليج حرّة أن تقوم به". ولفت إلى "أنّنا نطلب من الدّول المحيطة بنا، خصوصًا أن تدعنا نقوم بما نريد. ولا أقصد هنا دول الخليج، لأنّها كانت على الدّوام داعمةً تاريخيًّا لاستقلال لبنان وسيادته".

وركّز بو حبيب على أنّ الاتّفاق الأوّلي الّذي أُعلن بين لبنان وصندوق النقد الدولي في 7 نيسان، "خطوة مهمّة، ليس بين لبنان والصندوق فحسب، بل مع الدّول المانحة الّتي كانت في مؤتمر "سيدر" عام 2018، ومع الدّول العربيّة الّتي شاركت فيه، ما يؤكّد موافقتنا على الإصلاحات الّتي يطلبها الشعب اللبناني أوّلًا، ثمّ المجتمع الدولي".

وأوضح أنّ "هذا لا يعني أنّ كلّ شيء تمّ تنفيذه، بل أنّ علينا أن نكمل المسيرة وننفّذ ما اتّفقنا عليه مع الصّندوق، بقرارات في مجلس الوزراء أو في مجلس النوّاب بقوانين. وهذا يسمح بأن تتدفّق الأموال من الصّندوق ومن المجتمع الدولي إلى لبنان"، مبيّنًا "أنّنا بدأنا إجراءات التّنفيذ، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري قال إنّ قانون "الكابيتال كونترول" الّذي أقرّته الحكومة سيكون في البرلمان، كذلك الموازنة. والقرض المتعلّق بالكهرباء سيكون في البرلمان. الأمور الأساسيّة الّتي طلبها المجتمع الدولي أقرّتها الحكومة، وأُرسلت أو سترسَل إلى البرلمان".

من جهة ثانية، شدّد على أنّ "تكلفة وجود اللّاجئين السوريّين في لبنان هائلة. الدّول المانحة لا تنفق على الكهرباء والمياه والطّرقات والمجارير والبنية التحتية، الّتي تزداد سوءًا في مناطق وجود اللّاجئين. وإذا موّل البنك الدولي في المستقبل مجارير، فهو سيكون ديَنًا علينا، وليس هبة".

ووجد بو حبيب أنّ "مساعدة اللّاجئين بالطّريقة الّتي تحصل، هي الّتي شجّعت على مجيء عائلاتهم، لأنّ معظم اللّاجئين ليسوا لاجئين سياسيّين، بل اقتصاديّون، أو هربًا من القتال"، شارحًا أنّ "اللّاجئين السّياسيّين تعدادهم قليل، وكُثُر منهم في الانتخابات السورية يذهبون إلى السفارة للاقتراع. وما قاله رئيس الجمهوريّة ميشال عون في روما وفي الفاتيكان، أنّ نحو 450 ألفًا منهم يتنقلون بين لبنان و​سوريا​. وكان اقتراحه أن تقدّم لهم المساعدات في سوريا، بدلًا من صرفها لهم في لبنان، وهكذا يستثمرونها هناك". وكشف أنّ "جواب الأوروبيّين كان أنّ هذه الأموال سيأخذها النّظام، وهم لن يعطوها له لأنّهم ضدّه. والعملة الصّعبة الّتي يحصلون عليها لا ينفقونها في لبنان، وحتّى الليرة اللبنانية هي عملة صعبة في سوريا. هم ينقلون من بقائهم في لبنان وصرف الأموال عليهم هنا".

وأشار إلى أنّ "الأمم المتحدة تسمع من بعض اللاجئين الذين يختلقون أخباراً عن أن ظروف عودتهم ليست آمنة. ونحن ضد أن يترك أي لاجئ لبنان إذا كانت لديه مشكلة في سوريا، والـ450 ألفاً الذين يأتون إلى لبنان ليقبضوا المساعدات، ثم يعودون إلى سوريا، لا إشكالات عليهم فيها". وفسّر أنّ "الذين لديهم إشكال هم اللاجئون السياسيون، وأهلاً وسهلاً بهم، ثم هناك الهاربون من الخدمة العسكرية. وإذا ما أرادوا العودة يمكن العمل على معالجة القانون في سوريا، لكن الدول الأوروبية لا تريد مفاوضة سوريا، ولا تسمح للبنان أن يفاوضها. ومن غير المعقول بقاء الوضع على هذه الحال. قضية الهرب من الخدمة العسكرية غير مستعصية، ويمكن إيجاد حل لها، لكن سوريا لن تعطيه الآن".

على صعيد منفصل، أوضح وزير الخارجيّة أنّ قرار امتناع لبنان عن التّصويت على قرار إخراج ​روسيا​ من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، "اتّخذته الدولة اللبنانية، وليس لأنّ السّفير الرّوسي في بيروت ألكسندر روداكوف طلب، فجميع السّفراء الغربيّين طلبوا أن نصوت مع القرار". وأكّد "أنّنا نستند إلى مصلحتنا ومبادئنا. حين أدنا الاجتياح الروسي لأوكرانيا استندنا إلى مبدأ أن القضايا بين الدول يجب ألا تحل باستعمال القوة، بل بالحوار. اعتبرنا أن مجلس حقوق الإنسان مركز للحوار، ويجب عدم إخراج الروس منه، بل يجب أن يبقوا".

وعمّا إذ كان لبنان تجاوز الأزمة مع موسكو، نتيجة إدانة لبنان اجتياح أوكرانيا، قال "إن شاء الله، لأن قبل إصدار البيان، استدعيت السفير الروسي وشرحت له أننا سنصدر بياناً على أساس مبادئنا. نحن عنينا من تدخل خارجي كهذا، ومهما كان هناك من مشاكل نحن مع حلها بالحوار حتى لو استغرقت سنوات. نحن ضد الحرب والاجتياحات، وهذا مبدؤنا"، معربًا عن اعتقاده أن "العلاقات جيدة، وعادت عادية، وسفيرنا في موسكو يلتقي جميع المسؤولين في الوقت المناسب للجهتين. والسفير الروسي في بيروت زارني منذ الأزمة حتى الآن قرابة 10 مرات".

وعن التطوّرات في اليمن، لفت بوحبيب إلى أنّه "إذا كان "​حزب الله​" يتدخل في اليمن كما يقال، وأنا ليس لديّ أي براهين عكس ذلك، فإن السلام في اليمن سيزيل طبعاً هذه المشكلة من وجه لبنان وعلاقاته مع دول الخليج، وخصوصاً مع السعودية والإمارات، لأن الدولتين موجودتان عسكرياً في اليمن، وهناك مسيّرات تطلق في اتجاههما".

وبموضوع تأمين تكاليف تنظيم وزارة الخارجية والمغتربين وإشرافها على ​الانتخابات النيابية​ في 15 أيّار المقبل، في الاغتراب، ذكر أنّ "موازنة الوزارة كانت 4,5 مليون دولار للعملية الانتخابية، باعتبار أن هناك 225 ألف ناخب. لإرسال مندوبين إلى الخارج، دبلوماسيين كانوا أم موظفين، علينا دفع بطاقات السفر بالعملة الصعبة، وإقامتهم هناك بالدولار". وأفاد بـ"أنّنا منذ البداية اتّكلنا على مساعدات الدول الغربية، والدولة صرفت لنا ثلاثة ملايين دولار، ويبقى مليون ونصف المليون، فطلبت من السفراء والقناصل عدم استئجار صالات واستخدام الجوامع والكنائس اللبنانية والعربية بدلاً منها، وتشجيع القادرين من الجالية على أن يستأجروا صالات. وهذا كان مفيداً، فحصلنا على 80 في المئة من صالات الميغاسنتر التي عددها 208 مجاناً تقريباً. وفي هذه الميغاسنتر لدينا 612 قلم اقتراع".

وشدّد على أنّ "التكاليف باهظة، وجاءنا جواب الدول الغربية بأنها لا تريد دفع أموال كي لا تبدو وكأنها تتدخل في الانتخابات (على الرغم من أنها تتدخل)... قلنا لها: ادفعي لشركة شحن صناديق الاقتراع التي ستنقل من لبنان إلى مراكز الاقتراع، ثم إعادتها لفرز الأصوات، مباشرة، وفاوضيها أنت، من دون أن تدفعيها للوزارة".

وأشار إلى أنّ "الأسبوع المقبل، يفترض أن تسلمنا وزارة الداخلية هذه الصناديق التي علينا إرسالها، لكن ليس لدينا المال. القانون يقول أن نرسل شخصاً مسؤولاً لكل مركز اقتراع، وأن يكون لكل قلم اقتراع من الـ612 قلماً ثلاثة إداريين. نحتاج إلى إيفاد نحو 2100 شخص للإشراف على عمليات الاقتراع. وهؤلاء عليهم البقاء من السابعة صباحاً حتى العاشرة مساءً (انتهاء الاقتراع)، حتى يتم ختم صناديق الاقتراع بالشمع الأحمر، لتتولى شركة الشحن نقلها، في اليوم التالي. لا أحد يقوم بهذا العمل مجاناً". وركّز على أنّ "لهذا تكاليفه ولا دولارات في الخزينة. ولا نعرف كيف نؤمنها. وإذا علينا قول الحقيقة، أنا لا أعرف إذا كان في إمكاننا أن ننظم انتخابات المغتربين؛ وأنا ليس لديّ حل حتى الآن".

أمّا بموضوع ​ترسيم الحدود البحرية​ مع إسرائيل، أوضح بو حبيب أنّ "الرّؤساء الثلاثة اجتمعوا، وطلب رئيس مجلس النواب نبيه بري العودة إلى اتفاق الإطار، أي العودة إلى جلسات التفاوض غير المباشر (بحضور الوسط الأميركي والأمم المتحدة ووفدي البلدين)، لكن الجانب الأميركي يرى أن هذه الصيغة غير مفيدة، ويفضل دبلوماسية التنقل بين الفريقين، على أن يحصل اجتماع في الناقورة إذا ما جرى التوصل إلى اتفاق. وهذا ما أخّر الرد اللبناني". وأعرب عن اعتقاده أنّ "قريباً سيكون هناك رد، ولا أستبعد الموافقة على الاقتراح الأميركي". ولفت إلى أنّ "الرؤساء الثلاثة على اتفاق بعدم التراجع عن الخط البحري 23".