على الرغم من أن نتائج ​الإنتخابات النيابية​ شبه محسومة، منذ لحظة الإنتهاء من عملية تسجيل اللوائح الإنتخابية بشكل رسمي في وزارة الداخلية والبلديات، إلا أن ذلك لا يلغي أهمية هذا الإستحقاق من الناحية السياسية، حيث يسعى كل فريق إلى تحقيق مجموعة من النقاط التي تصب في صالحه، قبل الإنتقال إلى المرحلة الجديدة التي من المفترض أن تبدأ في السادس عشر من أيار المقبل.

من حيث المبدأ، هناك معادلة لا يمكن تجاهلها على الإطلاق، تتعلق بشكل النتائج التي سيحققها كل فريق في هذا الإستحقاق، حيث هناك من يسعى إلى إعادة تكريس حضوره بأعلى نسبة تصويت ممكنة، بينما هناك من يحصر هدفه بالتفوق على منافسه ضمن الساحة الطائفية نفسها، في حين هناك من يسعى إلى خفض نسبة الإقتراع كي يؤكد على زعامته التي لا يمكن تجاوزها.

ضمن هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أنه في ظل تراجع العناوين المطلبية، خصوصاً مع فشل قوى المجتمع المدني في الإتفاق على تشكيل لوائح قوية قادرة على الخرق في غالبية الدوائر، عادت الحماوة السياسية إلى الحملات الإنتخابية، حيث تبرز المنافسة بين فريقين أساسيين: الأول بقيادة "​حزب الله​" الذي يوجه المعركة نحو ​الولايات المتحدة​ و​السعودية​، أما الثاني فهو يشمل مختلف معارضي الحزب، خصوصاً حزب "القوات اللبنانية"، الذي يرفع شعار مواجهة الهيمنة الإيرانية.

قبل فترة قصيرة، كان من الممكن وضع الشعارات السياسية الرنانة في إطار السعي إلى شد عصب الجمهور، نظراً إلى أن "حزب الله" يستطيع، من خلال عناوين المواجهة، أن يدفع جمهوره إلى تجاوز الإعتراضات التي لديه، وبالتالي تحقيق هدف رفع نسبة التصويت التي تكرس شرعية تمثيله، في مقابل حملة ستركز على هذه النقطة، بعد الإنتهاء من هذا الإستحقاق، بدأت معالمه بالظهور منذ اليوم، بينما يسعى خصومه إلى محاولة تعزيز حظوظهم بالفوز في بعض المقاعد التي لا تزال رمادية عبر التصويب على سلاحه.

أما اليوم، فهناك العديد من المعطيات التي بات من الضروري أن تؤخذ بعين الإعتبار، تبدأ من العودة السعودية إلى بيروت، لا سيما أن سفيرها وليد البخاري يتحضر لمجموعة من النشاطات السياسية التي لا يمكن أن تنفصل عن الإستحقاق الإنتخابي، خصوصاً بعد أن نجحت الرياض في ترتيب أوضاع بعض حلفائها الإنتخابية، بينما أمين عام "حزب الله" ​السيد حسن نصرالله​ بدأ التحضير لمرحلة ما بعد الإنتهاء من الإستحقاق، من خلال الإفطار الذي جمعه مع كل من رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ ورئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، بعد أن كان قد نجح في ترتيب بعض الخلافات بين حلفائه.

في الأيام المقبلة، الصورة السياسية لهذه الإنتخابات من المفترض أن تتضح بشكل أكبر، خصوصاً مع رفع سقف المواجهة من قبل جميع الأفرقاء، نتيجة إقتراب موعد الإستحقاق المحدد في الخامس عشر من أيار المقبل، لكن الأكيد أن هناك قراراً حاسماً من قبل الجميع بالتحضير لمرحلة ما بعد هذا الإستحقاق، التي من المفترض أن تكون مرتبطة بالتحولات القائمة على مستوى المنطقة، ما دفع المقررين الأساسيين في كل محور إلى تكثيف خطواتهم من أجل شدشدة تحالفاتهما قبل الوصول إلى المراحل الحاسمة، سواء كانت باتجاه الذهاب إلى تسويات أو مواجهات.

في المحصلة، في بلد وصل الإنهيار فيه إلى مستويات غير مسبوقة، ستكون العناوين السياسية هي الأساس في الإستحقاق الإنتخابي الأول الذي يلي هذا التحول الكبير، بينما تغيب العناوين الإقتصادية والإجتماعية عن برامج عمل اللوائح والمرشحين أو لا يتم التركيز عليها بالشكل المطلوب، ليعود الجميع بعد الإنتخابات إلى السؤال عن التسوية الخارجية وموعدها ومضامينها.