على وقع المعركة الإنتخابية القائمة، تتزاحم التيارات والأحزاب السياسية في طرح الشعارات الرنانة الهادفة إلى شد العصب، على أمل أن يصب ذلك في صالحها في صناديق الإقتراع، بالرغم من أن أياً منها لم يقدم حتى الآن مشروعاً واقعياً يلامس هموم المواطنين الإقتصادية والإجتماعية، بعد الإنهيار الذي كان قد بدأ رسمياً في العام 2019.

إنطلاقاً من ذلك، تطرح الكثير من العناوين الكبرى التي تعبر عن صراع سياسي أبعاده إقليمية أو دولية، بعيداً عمّا يعانيه اللبنانيون في يومياتهم من مصاعب، نظراً إلى أن غالبية هذه القوى والأحزاب تعتبر أن هذه المصاعب هي الورقة الأساسية التي تستطيع من خلالها الحفاظ على إرتباطها الزبائني مع الناخبين، الأمر الذي يتم التعبير عنه عبر صناديق "الإعاشات" أو دفع فواتير المدارس والمستشفيات عنهم، بينما وظيفة المشرّعين من المفترض أن تكون العمل على ألا يكونوا في حالات عوز من هذا النوع.

ما تقدم، يقود إلى سؤال جوهري من المفترض أن يطرح على مختلف القوى السياسية الساعية إلى الفوز في الإستحقاق الإنتخابي، يتعلق بالمشروع الذي لديها أو الذي ستسعى إلى العمل على تحقيقه بعد السادس عشر من أيار، أي تاريخ الإنتهاء من المعركة الإنتخابية التي تزداد حماوتها يوماً بعد آخر، خصوصاً أن ما ترفعه من شعارات لن يقود إلى معالجة أي من المشاكل التي يعاني منها المواطنون في الوقت الراهن، الأمر الذي قد يتطلب العودة إلى الوراء لفهم كيفية تعاملها مع الأزمة من الناحية العملية.

بعيداً من الغوص فيما قامت به هذه القوى على مدى السنوات الماضية، من الممكن الإنطلاق من تاريخ الإنتفاضة الشعبيّة، في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، حيث لم يذهب أي فريق إلى طرح أي مشروع أو فكرة من الممكن أن تساعد على الوصول إلى الحلول، بل أقصى ما كان يقدم هو رمي المسؤولية على الآخرين، على أمل أن يقود ذلك إلى إبعاد بوصلة الإتهامات الشعبية عن الفريق الذي يقوم بذلك، الأمر الذي يفسر عدم القيام بالحد الأدنى من الخطوات التي كان يجب القيام بها منذ اللحظة الأولى لبداية الأزمة.

ضمن هذا السياق، ربطت المعالجة، طوال الفترة الماضية، بالعديد من الإستحقاقات الخارجية، بدءاً من الإنتخابات الرئاسية الأميركية، حيث كان يتنافس كل من الرئيس السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، وصولاً إلى الإنتخابات الرئاسية الإيرانية التي فاز بها إبراهيم رئيسي، مروراً بالإنتخابات العراقية والسورية، قبل أن تستقر الرهانات على ما قد ينتج من تداعيات عن الإتفاق النووي، بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران، بالإضافة إلى تلك المتعلقة بجولات التفاوض بين طهران والرياض.

في الوقت الراهن باتت المعادلة واضحة، حيث الجميع بات يسلم بأن نتائج الإنتخابات النيابية محسومة، على قاعدة أنها ستقود إلى فوز قوى الأكثرية النيابية الحالية، أي تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، في الإستحقاق الإنتخابي، مقابل كتلة أخرى تمثل ما تبقى من قوى الرابع عشر من آذار، وثالثة من الممكن أن تشكل من جانب الأفرقاء والشخصيات التي تدّعي تمثيلها "الثورة"، لكن ليس هناك، من بين الكتل الثلاث، من يملك جواباً عما سيكون عليه الواقع بعد الإنتهاء من محطة الإنتخابات، أو على الأقل ما هي الخطوات التي سيسعى إلى القيام بها لتجاوز الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون.

في المحصلة، الواقع الحقيقي هو أن الجميع لا يزال، حتى الآن، ينتظر أن تأتي كلمة السر من الخارج، ربطاً بالتطورات القائمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، على أمل أن تكون الصورة قد أصبحت واضحة مع الإنتهاء من الإستحقاق الإنتخابي، أما في حال لم يتم ذلك فإن الإنتظار سيكون هو سيد الموقف، وعندها تكون البلاد أمام تمديد قسري للمرحلة الراهنة.