غريب أمر بعض التجارب التي نمّر بها، يسوع عاش الآلام و​لبنان​ يعيشها كل يوم وجلجلته مستمرّة منذ أولى سنوات الإستقلال. اليهود صلبوا ​المسيح​ ودفنوه ولكن القيامة كانت ساطعة، أما لبنان فهو للأسف محكوم بطبقة سياسية تصلبه على مدار الثواني جرّاء حُكام منهم من الروحيين والمدنيين الّذين يعيشون الإزدواجية المرضية الغريبة ومعروفة وفق علم النفس بـ"السكيزوفرينيا" وتعرف أيضًا بـ"الشخصانية".

تأمل وجداني يوصلنا إلى الدخول في فهم موقف يسوع تجاه الألم، وقبل أن نصل إلى مرحلة الصلب لا بُدّ لنا من تتبُّع خطى المسيح في رسالته التبشيرية لنتبيّن من ناحية موقفه من الألم والمتألمين، ومن ناحية أخرى لفهم الطريق الذي أوصله إلى الصليب. وعند الصليب نتوّقف أيضًا أمام النشيد الرابع للعبد المتألم الذي يُشبه وضع ​الشعب اللبناني​ المتألم، والذي يئنّ تحت وطأة ضغوطات لم يعد بإمكانه تحمّلها وبالكاد يعيش وهو فعليًا يعيش في جُهنّم أرضية تكاد نارها تكون أقوى وأعتى من نار جُهنّم.

يسوع تألم وشعبنا يتألم من ​الفقر​ ويُجيبك المسؤول بأنّ الفقر ليس بجديد على الشعب بل هو مُجرّد إستمرار لما سبقنا من سياسات، يسوع عانى من الإضطهاد وشعبنا اليوم يُعاني إضطهادًا معطوفًا على عوز قاتل، والمسؤول يُجيب الشعب إنها تركة 50 سنة من الممارسة السياسية الهامشية ولا توّرطوني بأعمال ما قبلي. يسوع في حياته على الأرض كانت لإعلان قدرة الله على الألم والمرض وعلى الخطيئة وعلى الموت، على كل ما يُكبِّل الإنسان جسديًا ومعنويًا وروحيًا ، على كل ما يُهمِّشْ الإنسان عن مجتمعه سواء أكان بسبب المرض أو الخطيئة أو بسبب وظيفته المشبوهة كمثال زكّا. حياة يسوع تتمثّل في مواجهة مستمرة وبلا هوادة مع قوى الشر والألم . ويسوع كان يُعطي الشريعة الجديدة كما ورد في إنجيل مرقس.

يسوع من خلال أفعاله على الأرض يظهر على أنه قريب من الإنسان وخاصة الإنسان المتألم والمظلوم والخاطئ. كان اليهود ينتظرون مسيحًا يخلق المجتمع الجديد الطاهر والخالي من الخطأة حيث يحيا الجميع كل أحكام الشريعة، فجاء يسوع ليدعو الخطأة إلى التوبة ويُرجعهم إلى مجتمعهم ويُنادي بالعدل والرحمة.

حالة لبنان وشعبه نزف وهجرة وبطالة وصلب وتشريد ما تبّقى من ناس وقدرات، حالة لبنان هي عدم الإستقرار وعدم الإعتراف بالواقع والإنكار... إنّ لبنان يُصلب كل يوم ويُسمّر على صليب العار وهو الأكثر عرضة للإصابة بمرض مزمن يطلب النجدة من الرب لإنقاذه. المؤسف أنّ شعبنا لم يتطّلع إلى رسالة يسوع الانقاذيّة، وشعبنا بات أقرب ما يكون إلى مرض يُعرف بمرض الإنكار وقد أدمن هذا الشعب على عبادة زعيم أرضي يستغلّه ويُسخره لمصالحه والمؤسف أنه يعتبره المخلّص. إنّ المخلّص الذي يعبده الشعب اللبناني اليوم هو على صورة الشيطان الذي ما إنْ يستلم السلطة توالت صدماته القاتلة وسقطت شعاراته التي يرفعها بالتقيّة أمام الصفقات وتتزامن مع توالي الإنهيارات الأخلاقية والسياسية... ويُلازم هذه الألم الإحباط ويُراكمه الأداء السيء للسلطتين الروحية والمدنية.

في وسط هذا العالم الشرير نحن شهود على القيامة، نحن فعلة للعدالة نحن مقاومو الألم، نحن من مقاومي الظلم وسياسة العار والخبث... في وسط العالم رسالتنا هي الإيمان الصادق بيسوع وبلبنان، يسوع القائم من بين الأموات، لبنان الأبدي السرمدي. ولا حاضر ولا مستقبل، ولا قوات ولا خليقة بإستطاعتها أن تنال من صبرنا ودفاعنا عن حقوقنا لأننا أبناء الرجاء والقيامة المجيدة.