في دول العالم المتقدم، تشكل الانتخابات فرصة للمرشحين لتقديم مشاريعهم السياسية والاقتصادية والإنمائية الى الناخبين لحثّهم على اختيارهم وإيصالهم الى سدّة المسؤولية، وينفق المرشحون المال الانتخابي لتسويق المشروع لا الأفراد، ولنشر الفكرة لا شراء الصوت، على عكس ما يجري في لبنان اليوم.

مشروعان سياسيان كبيران يتنافسان في الانتخابات المقبلة، "مشروع المقاومة"، و"مشروع نزع سلاح المقاومة"، وهذا الأمر لم يعد خفياً على أحد، فالتصريحات والخطابات السياسية واضحة بهذا الخصوص وكلها تتحدث إما عن ضرر السلاح وإما عن فوائده، وكأننا في العام 2022 قد عدنا في الزمن الى العام 2005 يوم برز الصراع الكبير بين فريقين هما 8 و14 آذار، ما يعني أننا خلال 17 عاماً لم نتعلم شيئاً من تجاربنا السياسية التي أوصلت البلد الى الحضيض، فراغات، إشكالات واغتيالات وحوادث أمنيّة، فقر وجوع.

أما فيما يتعلق بمتطلّبات الناس فلا أحد يملك تصوراً واضحاً لها، فتبقى عبارة عن "جمل" رنّانة تُستخدم في الخطاب الانتخابي للمرشّحين، كأن يُقال "تحسين جودة حياة اللبنانيين"، دون أن يشرح لنا صاحب القول كيف سيفعل ذلك، أو "حماية أموال المودعين"، دون شرح كيفية فعل ذلك علماً انّ غالبية المرشحين يتبنّون هذه المقولة، وغالبية اللبنانيين يعرفون أنّ الودائع طارت وسُرقت ولم تعد موجودة.

يتنافسون على السلاح، وهو ملف لا يتعلّق بالداخل اللبناني أصلاً، ولا علاقة لتوازنات المجلس النيابي الجديد به، ولعلّ كلام السيد هاشم صفي الدين هو خير دليل على ذلك فهو قال: "الضّعفاء والعاجزين والفاشلين الّذين يرفعون اليوم شعارا جديدًا وهو استهداف المقاومة والنّيل من "حزب الله" من خلال الانتخابات النيابيّة، يعلمون جيّدًا أنّ أيّ نتيجة للانتخابات لن تنفعهم في مواجهة "حزب الله".

فعلاً لن تغيرنتائج الانتخابات شيئاً بموضوع السلاح، فانصرفوا الى معالجة هموم الناس. تحمل خطاباتهم الإنتخابية تعابير جميلة ورنّانة لا صدى بالحقيقة لها في حياة الناس، كما جرت العادة سابقاً، يتنافس المرشحون على "شتم" بعضهم البعض والهجوم على بعضهم البعض، والتسويق لأنفسهم عبر الحديث عن سيّئات الآخرين لا الحديث عن الإيجابيات التي يمثّلونها، فيسود التمثيل على الناس بدل محاولة تمثيل الناس.

في هذه الإنتخابات، وفي ظل الوضع الاستثنائي الذي يمر به البلد اكتشف المرشحون وجود سلاح جديد يمكن لهم استخدامه في حملاتهم الانتخابية، وهو "وجع الناس"، إذ يكفي اليوم استغلال هذا الوجع في وسائل كثيرة لتأمين الأصوات، علماً ان هذه الطريقة كانت موجودة سابقاً ولكن عدد الفقراء لم يكن بالحجم الذي هو عليه اليوم، وسعر الصرف لم يكن على ما هو عليه اليوم، لذلك أصبح الاستغلال أرخص، ولا يكلّف المرشح الكثير، إذ يكفي تأمين صفيحة بنزين ومليون ليرة لشراء الصوت، او يكفي سدّ فاتورة دكّان، أو شراء أدوية، أو دفع فاتورة استشفاء، أو تسديد قسط مدرسة، وهذه كلها أمور لا تكلّف المرشح شيئاً، خاصة أن غالبيتهم يملكون الدولارات.

واللافت أيضاً هو أنّ المرشحين يتّهمون بعضهم البعض باستغلال وجع الناس، فإذا قام أحدهم بدفع المال، يُتّهم بتنفيذ مشروع خارجي، علماً أن من يتّهمه يقوم بالفعل نفسه. إنها الانتخابات في لبنان.