منذ تاريخ إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عزوف تيار "المستقبل" عن المشاركة في الإنتخابات النيابية، تُطرح سيناريوهات حول التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، نظراً إلى أن جمهور التيار يملك تأثيراً كبيراً في العديد من الدوائر، الأمر الذي تأكد بعد الإنتهاء من مرحلة تشكيل اللوائح.

في هذا السياق، يمكن الحديث عن أن التأثير الأكبر لتوجه هذا الجمهور سيكون في 8 دوائر إنتخابيّة، حيث احتمال أن يكون لخياره القدرة على تبديل الجهة أو اللائحة التي تفوز بمقعد نيابي أو أكثر، مع العلم أنّ غيابه قاد إلى إضعاف المعركة في دوائر أخرى، كالجنوب الثالثة على سبيل المثال.

الشمال الأولى والثانية

على الرغم من أن جمهور "المستقبل" يملك القدرة على التأثير في دائرة الشمال الثالثة، حيث المرجح أن يشجع على التصويت للائحة المدعومة من تيار "المردة" في الدورة الحالية، فالتأثير الأكبر سيكون في دائرتي الشمال الأولى والثانية، نظراً إلى أن الصوت السني هو المؤثر الأكبر فيهما.

في دائرة الشمال الأولى (عكار)، بالرغم من وجود لائحة تضم بعض نواب التيار الحاليين إلا أن السؤال الأساسي يبقى حول نسبة التصويت في الخامس عشر من أيار، نظراً إلى أن لذلك تداعيات على الحاصل، وبالتالي قدرة اللوائح الأخرى على الدخول إلى المنافسة.

أما في دائرة الشمال الثانية (طرابلس-المنية-الضنية)، التي تشهد هدوءاً كبيراً، على عكس الدورات الماضية، فإن هناك اسئلة تطرح حول اللائحة التي ستذهب إليها أصوات جمهور "المستقبل"، في ظلّ وجود أكثر من لائحة من الممكن أن تحظى بها، من دون تجاهل تأثير العزوف على الحاصل، الأمر الذي يفتح الباب أمام زيادة المقاعد التي من الممكن أن تفوز بها اللوائح الكبرى.

البقاع الأولى والثانية والثالثة

في الدوائر الثلاث، قد يكون هناك تأثير كبير للخيارات التي يذهب إليها جمهور "المستقبل"، في دائرة البقاع الأولى (بعلبك الهرمل) خيار المقاطعة قد يصعب من مهمة اللائحة التي تضم تحالف حزب "القوات اللبنانية" ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بالوصول إلى الحاصل، أيّ الخرق، بينما جذب أصوات هذا الجمهور إلى اللائحة من الممكن أن يعزّز فرص فوزها بمقعدين.

الأمر نفسه ينطبق على دائرة البقاع الأولى (زحلة)، حيث هناك لائحة تضم تحالف "القوات" والسنيورة، نظراً إلى أن نجاحها في إستمالة جمهور التيار يسمح لها بالمنافسة على أكثر من مقعد نيابي، بينما فشلها في ذلك قد يحصر قدرتها بالمنافسة على مقعد واحد فقط، بينما في دائرة البقاع الثانية (البقاع الغربي وراشيا)، المتوقع هو أن تنجح اللائحة التي تضم تحالف النائب محمد القرعاوي و"الحزب التقدمي الإشتراكي" في هذه المهمة، لكن على أساس نسبة التصويت السني تتوقف قدرتها على الفوز بمقعدين أو 3 مقاعد.

الجنوب الأولى وجبل لبنان الرابعة

التأثير الأكبر لمزاج جمهور "المستقبل" قد يكون في دائرة الجنوب الأولى (صيدا جزين)، نظراً إلى أن مشاركة التيار في الإنتخابات كان من المفترض أن يحسم المعركة على أحد المقعدين السنيين في صيدا (النائب بهية الحريري)، بينما السؤال اليوم هو حول التوجه الذي قد يذهب إليه "المستقبل"، لا سيما بالنسبة إلى كيفية التعامل مع اللائحة التي تضم المرشح يوسف النقيب (تحالف القوات والسنيورة)، حيث أنّ دعمها يضمن لها الفوز بمقعد نيابي، في حين محاربتها يعني إضعاف قدرتها بالوصول إلى الحاصل، خصوصاً إذا كان ذلك عبر التصويت لصالح لائحة منافسة لا الإكتفاء فقط بالبقاء في موقع المتفرج.

الواقع في دائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف عاليه) يشبه إلى حد بعيد الواقع في دائرة الجنوب الأولى، نظراً إلى أنّ الجميع ينتظر التوجه الذي سيكون عليه جمهور التيار، نظراً إلى أن حضوره كان من الممكن أن يحسم المعركة على أحد المقعدين السنيين (النائب محمد الحجار)، بينما الواقع اليوم، خصوصاً إذا ما قرر عدم الذهاب إلى دعم أي مرشح) يعني فتح الباب أمام المنافسة على هذا المقعد.

بيروت الثانية

الواقع في هذه الدائرة قد تكون المعبر الأدق عن تأثير غياب الحريري عن المشهد الإنتخابي، لا سيما أنّها تضم المقعد الذي كان يترشّح عنه عادة، حيث سعت العديد من اللوائح إلى محاولة إستمالة الجمهور "المستقبلي" لضمان فوزها بالعدد الأكبر من المقاعد النيابية، لكن السؤال الأهم يبقى حول ما إذا كان هذا الجمهور سيشارك فعلاً في هذا الإستحقاق بنسبة إقتراع كبيرة أم أنه سيذهب إلى خيار المقاطعة؟.

في حال قرر هذا القسم الأكبر من الجمهور المشاركة، فإنّ الأمور تتوقف حول ما إذا كان هناك من توجه واضح بدعم احدى اللوائح أم أن الأصواه ستتوزع على أكثر من لائحة، نظراً إلى أنه في الحالة الأولى ستكون اللائحة المدعومة قادرة على زيادة فرصها بالفوز بمقاعد نيابية، أما في الثانية فإن التأثير الأساسي سيكون عبر رفع الحاصل.

أما في حال قرر القسم الأكبر من الجمهور المقاطعة، فهذا الأمر سيقود حكماً إلى خفض الحاصل ما يفتح الباب أمام توزع المقاعد على أكثر من لائحة، مع تعزيز فرص اللوائح التي تملك بلوكات إنتخابيّة كبرى، حيث من الممكن أن يساعدها ذلك على زيادة عدد المقاعد التي تفوز بها.