اعتاد بعض الأخوة الموارنة تسمية يوم الجمعة من أسبوع الآلام، شعبيًا، "الجمعة الحزينة"، أما الأرثوذكس فقد أطلقوا عليها "الجمعة العظيمة"، وهذا ليتورجيًا معتمد أيضًا في الكنيسة المارونية.

أنطلق من التسميتين لأقارب ما يعيشه أبناء وطني في لبنان. فالشعب حزين والحدث عظيم. اللبنانيون يتألمون جرّاء ما وصلوا إليه من مآسٍ متعددة، وساستهم لا همّ عندهم إلا اغتنام مناصب ومقاعد في البرلمان. شعبنا جاع بالمطلق والحّكام مع باقي ما يسمّى بالقادة، يسعون إلى إسقاط بعضهم البعض في الإنتخابات النّيابية، وكلٌّ يسوّق لحملته عبر شعارات طنّانة ورنّانة، وعبر حملات إعلاميّة وإعلانيّة، لو جيّرت مصاريفُها لإطعام الفقراء ومعالجة المرضى وتعليم المحتاجين، لعاش الناس وذاقوا طعم القيامة.

حزينٌ قلبي وحزينة نفسي على شعبي، على الناس الذين فقدوا أحباءهم في انفجار المرفأ. وها هو مجلس الوزراء يأخذ قرارًا بهدم هيكل الإهراءات، ناسيًا عدم صدور أيّ قرار ظني في شأن جريمة العصر، ومتحدّيًا شعور أهالي الضحايا. وكأنّ هذا المجلس يريد أن يطمر معالم شاهدة على الجريمة، بالرغم من خطورتها، وبالتالي ينسى الشعبُ الفاعلَ الحقيقيَّ، ويبقى المظلوم في السجن يدفع الثمن، وتنتهي بذلك القصّة.

حزينٌ أنا، وحزني لن يؤول إلى فرح على مثال العذراء والمريميات اللواتي تبعن يسوع إلى الصلب، وقد أعطاهم شرف إعلان قيامته للعالم، جزاءً لجرأتهم وثباتهن وعدم خوفهن كباقي التلاميذ.

نحن بأمسّ الحاجة اليوم إلى صوت يصدح في وجه بيلاطس وقيافا. الذين هللّوا للمسيح عند دخوله اورشليم، هم أنفسهم طالبوا بصلبه وفضّلوا اللص والقاتل باراباس على ذاك الذي شفى أمراضهم وأقام موتاهم.

ما زلنا نعيش هذه الأجواء، كم من يهوذا في أوطاننا ومجتمعنا وفي بيوتنا ومعابدنا، وكم من شاهد زورٍ يتطّوع كل يوم لحماية الفاسدين والمفسدين، وحماية رؤساء هذا العالم.

نفسي حزينة، لأن هناك جوعًا وعطشًا في هذا الوطن، لا إلى بناء وطن، بل إلى تدمير ما تبقّى من أسس الدولة، لكي يبقوا أسيادًا لهذا الدهر الفاني، وتبقى زعامتهم تعلو على جراح المتألمين والفقراء والمعوزين والأرامل والأيتام والمشرّدين والمهجّرين، وحتى المهاجرين.

نفسي حزينة على كل امرأة أوطفل تعرض للإغتصاب والتحرّش والتعنيف، ولا عدالة استطاعت أن تأخذ حقّهم. نفسي حزينة على كل مظلومٍ قابعٍ في السجون، وكل مريضٍ لم يحصل على دوائه، وتعذّر عليه دخول المستشفى. نفسي حزينة لوجود أشخاص مؤتمنين على خلاص الناس، ولا يحرّكون ساكنًا في تضميد جراحهم، أو بلسمة حزنهم. نفسي حزينة على شعبٍ يفتّش عن رغيف خبزٍ، وموائد الأصوام مخصّصة للزعماء، وغائبة عن يوميات المستحقين لها.

نفسي حزينة جدًا، وكنت قد اتخذت قرارًا بالصمت، مع إنطلاق ايام الصوم المبارك، لكي نختلي بالرب ونعرف ما يريده منّا، لا ما نريده منه. ولكن طبيعة الأحداث أخرجتني عن صمتي، لكي أعبّر في أسبوع الآلام عن حزني العميق لما آلت اليه أوضاعنا، ولكي أعبّر بمكان ما عن تضامني وشعوري مع المعذَّبين في وطننا والعالم.

ها نحن ذاهبون إلى القيامة، فاعذرني يا رب إذا أكثرنا من الطلبات، وأنت القائل: "اطلبوا تجدوا"، فأرجوك يارب أنقذنا، في عيد قيامتك المجيدة، من آلامنا وأوجاعنا وأحزاننا وشدائدنا، وأبعد عنّا ظلم المسؤولين والحكّام والطغاة والفاسدين والناهبين، الذين لم تقدر، وللأسف، أن تطالهم عدالة الأرض، بسبب تسييسها، لذلك ندعوك ونقول: "قم يا الله واحكم في الأرض".