لطالما اعتُبر ​الجنوب​ بدائرتيه الثانية والثانية، منطقة شبه "مغلقة" لـ"​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، في واقع توحي المؤشّرات أنّ الانتخابات النيابية المقرّرة في أيار "ستكرّسه" مرّة أخرى، أقلّه من منظور "الثنائي الشيعي"، الذي يتعامل مع الاستحقاق على أنّه "محسوم ومضمون سلفًا"، لدرجة أنه "صرف النظر" عنه، ليركّز على "معارك الحلفاء" في سائر المناطق.

بالنسبة إلى "الثنائي"، لا "معركة حقيقية" في الجنوب، وكلّ الاستطلاعات والتقديرات تؤكد أنّ جمهوره سيبقى "وفيًا"، حتى إنّ "المتردّدين" من الناقمين على الطبقة السياسية لن يتأخروا في "حسم" أمرهم، مع اشتداد الحملات الانتخابية في القادم من الأيام، خصوصًا متى تحوّلت المعركة إلى "استفتاء" على الهوية والخيارات، وعلى رأسها "ثابتة" المقاومة.

لكن، بالنسبة إلى آخرين، ثمّة مؤشّرات عدّة يجدر التوقف عندها للحديث عن "معركة مختلفة"، أو ربما "غير معلبة" بالحدّ الأدنى، قد يكون من بينها "تضامن" المعارضين الذين نجحوا إلى حدّ بعيد في الجنوب، في ما عجزوا عن تحقيقه في مناطق أخرى، ففي دائرة الجنوب الثالثة مثلاً، يحكى عن لائحة "موحّدة" تخوض "المواجهة" باسم كلّ المعارضة.

أما في دائرة الجنوب الثانية، فيكفي برأي هؤلاء، "حادث" التعرّض لأعضاء ومناصري لائحة "معًا للتغيير" السبت الماضي، للدلالة على وجود "خلل ما"، فلماذا يُستهدَف المعارضون ويُعتدى عليهم طالما أنّهم لا يشكّلون أيّ خطر أو تهديد؟ وهل يكفي القول إنّه حادث "عفوي وغير منظّم" لتبرير ما حصل، مع ما ينطوي عليه من "تشويه" لمبدأ ديمقراطية الانتخابات قبل كل شيء؟!

من حادث الصرفند، ينطلق المتابعون للواقع الانتخابي ليتحدّثوا عن "مشهدية انتخابية" مختلفة، ومغايرة للسائد في الجنوب، بمُعزَل عمّا إذا كانت "مؤثّرة" أم لا، فمجرّد وقوع الحادث يعني الكثير بالنسبة إلى هؤلاء، علمًا أنّ وجود "المنافسة" كان ينبغي أن يكون "مريحًا" للثنائي الواثق من الفوز، كما يقول، لأنّه سيكون بمثابة "صك براءة" على أنّ الجمهور حدّد خياراته بكلّ ديمقراطية وحرية، ومن دون أيّ تأثيرات تُذكَر.

لكن، أن تكون مجرد إقامة مهرجان انتخابي للائحة معارضة في قلب الجنوب أمرًا "مستفزًا" للأحزاب، أو بالحدّ الأدنى لـ"جمهور" الثنائي، سواء كان منظمًا أم عفويًا، لأمر له دلالاته ومعانيه بالنسبة إلى هؤلاء، خصوصًا أنّه يؤكد في جانبٍ منه، كلّ ما يُساق عن "سيطرة" الثنائي على مناطق الجنوب، ويوصل بالتالي "رسالة" إلى كلّ الخصوم والمعارضين، بأنّ "تجاوز" الحدود المرسومة بهذا الشكل لا يمكن أن يكون مقبولاً.

ومع أنّ "حركة أمل" التي وضعها بعض الإعلام في "قفص الاتهام"، نفت أيّ مسؤولية أو علاقة لها بالحادث، وذهبت لحد "رفع الغطاء عن أيّ مسيء" كما جاء في بيان كتلة "التنمية والتحرير"، فإنّ ثمّة من وجد "نقاط شبه" كثيرة بين الاعتداء على مرشحي اللائحة المعارضة، وما كان يحصل سابقًا، في زمن "حراك 17 تشرين"، حين كان ينزل جمهور "الثنائي" إلى الساحات، لقمع المحتجّين بالقوة، بسبب الآراء التي كانوا يعبّرون عنها.

إلا أنّ هناك في المقابل من يشدّد على وجود "فارق جوهري" بين الأمرين، فإذا كان من مصلحة "الثنائي" سابقًا "تحجيم" الحراك الشعبيّ المطالب بتغيير النظام ككلّ، فإنّ الوقائع تثبت ألا "مصلحة" له بافتعال "حادث الصرفند"، الذي قدّم "خدمة مجانية" للائحة "معًا للتغيير"، التي حصلت على "تغطية إعلامية" ما كانت تطمح إليها، وعلى "شهرة" ما كانت تحلم بها، وجعلت المعارضين المنهمكين هذه الأيام بخلافاتهم، يتّحدون تحت لواء "التضامن".

ولعلّ ما عزّز من "خطورة" ما حدث في الصرفند، أنه جاء متزامنًا مع ما يمكن وصفه بـ"خطاب كراهية" تفاعل في الآونة الأخيرة، خصوصًا عبر وسائل التواصل، يعتمد على التحريض بحق عدد من المرشحين، عبر استسهال توجيه الاتهامات إليهم بالعمالة وغيرها، إضافة إلى "التخوين"، وهو ما أثار بدوره الكثير من التكهنات وعلامات الاستفهام.

كما أنّه تزامن أيضًا مع أجواء إعلامية، ترجمت بمقالات صحافية مكثّفة في الأيام القليلة الماضية، أوحت وكأنّ "الخرق" في الجنوب بات بمثابة "أمر واقع"، في ظلّ ائتلاف المجموعات المعارضة من شيوعيين وتغييريين على أكثر من مستوى، وذلك خلافًا للسائد في الجنوب، حيث كان الفارق بين لوائح "الثنائي" واقرب المنافسين أكثر من شاسع.

لا يعني ما سبق، وفق معظم المتابعين، أن انتخابات الجنوب ستشهد "مفاجآت"، إذ إن عوائق عدّة لا تزال تحول دون ذلك، من بينها طبيعة القانون الانتخابي، إضافة إلى البيئة العامة، والظروف المحيطة، ولو أنّ بعض الخبراء الانتخابيين لا يستبعدون إمكانية حصول خرق أو اثنين في دائرة الجنوب الثالثة تحديدًا، حيث اتّحد المعارضون، من دون أن يتبنّوا خطابًا "متطرفًا" ضد ما تعرف بـ"الثوابت"، إن جاز التعبير.

ويشير هؤلاء إلى أنّ "النفور" من المنظومة الحاكمة، وإن كان موجودًا في الجنوب كغيره من المناطق أكثر من أيّ وقت مضى، نتيجة الأزمات المتفاقمة التي يتخبّط فيها البلد منذ نحو عامين، مع ما ينطوي عليه من "تردّد" في الخيارات الانتخابية، إلا أنّه لم ينعكس حتى الآن، بقيادة "بديلة" جاهزة، بدليل أنّ الكثير من الناخبين يشعرون أن "البديل غير ناضج، وقد لا يكون أفضل"، بل إنّ المجموعات "التغييرية" بحد ذاتها منقسمة على نفسها.

قد يكون أمرًا صحيًا أن يُحكى عن "معارك انتخابية" في الجنوب، للمرّة الأولى منذ فترة طويلة، ولو أنّ كثيرين يعتبرون أنّ "الحكي ما عليه جمرك"، وأنّ انتخابات الخامس عشر من أيار قد تثبت ذلك. لكنّ الأكيد أنّ ما حدث السبت في الصرفند، على النقيض من ذلك، لا يمكن تصنيفه على أنّه "ظاهرة صحية"، بل من شأنه أن يهدّد نزاهة الانتخابات برمّتها، وأن "يفرغ" انتصار الثنائي نفسه، إن حصل كما يتوقع، من مضمونه بالمُطلَق!.