ليس من عادة رئيس ​الحزب الاشتراكي​ ​وليد جنبلاط​ ان يكسر الجرة ويرفع سقف تصريحاته ضد جهّات او فئات او اطراف اخرى في الحياة السّياسية اللبنانيّة من دون سبب، وهو وان عمد وسيعمد ايضاً لاصلاح ذات البين بينه وبين من "يعاديهم" لفترة، الا انّه هذه المرة لم يتم استهدافه علناً كي يأتي الردّ بهذه الطريقة. غير ان جنبلاط يعتبر ان هذه المعطيات خاطئة، وانّه استُهدف بالفعل ولو بطريقة غير مباشرة، غير انها اقسى واكثر ايلاماً لانها تتعلق بحضوره في البرلمان، ومن خلاله في النفوذ السياسي اللبناني خلال الفترة المقبلة. مصادر سيّاسية اعتادت قراءة المشهد اللبناني قبل الانتخابات، قلّلت من اهميّة "هجوم" جنبلاط الاخير، وتوقّعت ان يعود بعد فترة قصيرة من انتهاء ​الانتخابات النيابية​ المرتقبة، الى سياسة المهادنة والتروّي وفتح القنوات. وتعزو المصادر سبب الفورة الجنبلاطيّة هذه الى حمّى الانتخابات وما يصل الى زعيم المختارة من معلومات ومعطيات عن اتصالات وتحالفات من شأنها ان تشكل خطراً على نسبة حضوره البرلماني. وتضيف المصادر: من هنا يمكن فهم قلق جنبلاط ودقه ناقوس الخطر عندما قال ان مستقبله انتهى وان المستقبل هو لابنه تيمور، وبالتالي لا يريد ان يورثه زعامة مهزوزة او منقوصة، ولا يرغب في ان يعمل نجله كي يستعيد ما يمكن ان ينقص من نفوذ وحضور رسمي، بل ان ينطلق من نسبة معروفة وقادرة على تأمين الاستمرارية، وربما اكمال المسيرة التي رسّخها جنبلاط كـ"بيضة قبّان" عندما تصل الامور الى استحقاقات مهمّة وعند المواضيع المفصليّة. ولهذا السبب تحديداً فتح رئيس الاشتراكي النار على كل من ​التيار الوطني الحر​ والمردة وحزب الله وحتى ​تيار المستقبل​ بشكل اخفّ، اذ لم ينسَ ان يغمز من قناة النائب سعد الحريري بقوله "طلعت براسنا وبراسو"، للتذكير بأنّه كان مساهماً مهماً في وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهوريّة، وهو لا يزال قادراً على استقطاب الاهتمام بالنسبة الى الموضوع نفسه حين يحين موعد هذا الاستحقاق. ورجّحت المصادر ان يتراجع جنبلاط عن كلامه لجهة عدم انتخاب النائب ​جبران باسيل​ ولا رئيس تيار المردة ​سليمان فرنجيه​ في حالتين: اولاً اذا كانا فعلاً الوحيدين المتنافسين على المنصب الرئاسي (علماً ان المصادر لا ترى ان السباق يقتصر فقط على هذين الرجلين)، وثانياً اذا استطاع تأمين ما يرضيه من مناصب في مجلس النواب ليبقي على حضوره وصورته من دون تغيير في المعادلة اللبنانيّة. اضافة الى ذلك، تقول المصادر، لا يمكن لجنبلاط ان يخرج عن عباءة رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، واذا رأى الاخير انّ تصويت جنبلاط قد يوصل مرشّحه الى قصر بعبدا، فمن المؤكد ان زعيم المختارة لن يرفض الطلب، تحت ايّ ذريعة.

ودعت المصادر الى عدم التوقّف كثيراً عند كلام جنبلاط، خصوصاً وانه اتى في خضم الجنون الانتخابي الذي يضرب الجميع، والى التطلّع الى كل ما يحصل في المناطق كافة، خصوصاً لجهة عدم تناغم وانسجام التحالفات والاتصالات على اكثر من صعيد: سياسياً وشخصياً وطائفياً... مشدّدة على ان ما بعد الانتخابات غير ما قبلها، فبعد ان يصل من يصل الى مجلس النواب، ليس من الضروري ان يبقى في الخانة نفسها التي وصل عبرها، وقد اعطى الكثير من النواب الحاليين لمحة كافية عما يمكن ان يحصل في هذا المجال، وسنرى العديد من الكتل والنواب في المجلس المقبل وقد بدّلوا آراءهم ومواقفهم وتحالفاتهم، من دون ان يؤثّر ذلك على نسبة حضور الاحزاب والتّيارات السياسية التي سبق واعترفت بها الدول الخارجية.