لماذا اختار يسوع المسيح، أن ينشر خبر قيامته للعالم، عبر النسوة حاملات الطيب؟ سؤال يستوقفني في كل مرة أعيّد الفصح، وأتلو إنجيل القيامة.

القارئ للإنجيل المقدّس يعرف أن المرأة كانت الرسول الأول في نشر بشرى القيامة للتلاميذ أولًا. النسوة حاملات الطيب كنّ أول مَن رأى القبر الفارغ، والمجدلية تحديدًا عرفته حيًا، أولًا، عندما ناداها باسمها.

واضح أن هذا الامتياز الممنوح للنسوة، لم يكن عن عبث، فهنّ اللواتي رافَقنَه إلى الصلب، ولم يهبن خبث اليهود أو بطش الرومان. لم يسلّمن الرب على مثال يهوذا، وما نَكَرنه كبطرس، وكان الشك خارج مفهومهن، ولذلك صدّقن حدث القيامة دون أن يضعن اصبعهن على جنبه. هؤلاء اللواتي جئن قبر السيد سحرًا جدًا ليطيبنّه، فوجدن الحجر مدحرجًا، وهن يفكّرن بمن سيدحرج الحجر لهنّ، فسمعن الملاك قائلًا: "اذهبن وبشّرن تلاميذه".

لم يخترهنّ الرب يسوع عنوة لنقل بشرى القيامة، بل لأنهن لم يتوانَين لحظةً عن مرافقته والاهتمام به والاستماع إلى تعاليمه، فمريم أخت لعازر جلست عند قدميه تسمع كلامه، وقد غسلت قدمَيه بالطيب، "أما مريم فأخذت رطل طيب من ناردين خـالص كثير الثمن ودهنت قدمَي يسوع ومسحتهما بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب"(يو 12: 3). ومرتا كانت منهمكة في تكريمه. وقد شفى المرأة النازفة الدم، وأقام ابن الأرملة وابنة يائيرس رئيس المجمع، كما لامس قلب السامريّة وحوّلها إلى مبشّرة، بعد أن اعترفت بخطاياها، ولا ننسى المرأة الخاطئة التي بلّت قدمَي السيد بدموعها ونشفتهما بشعرها. إلا أن موقفه من المجدليّة كان خرقًا قويًّا وهجومًا مباشرًا في عرين شياطين الخطايا. فهذه التي أخرج منها سبعة شياطين، باتت رمزًا في عالمنا المسيحي لكل خاطئة يُعطى لها فرصة التوبة، ولذلك نحن لا نجلد الخطأة بل نرعاهم ونحتضنهم ونعبّد لهم طريق الربّ، كي يعودوا إلى عشق الله بعد أن كانوا عشّاقًا للخطيئة.

مريم المجدلية بشّرت الرسل بالقيامة، ويَذكر التقليد الأرثوذكسي المسيحي أنّها كمواطنة رومانية ذهبت إلى قيصر في روما لرفع احتجاجها على صلب المسيح، وقامت بشرح قصّة محاكمة المسيح وصلبه وقيامته، عندها أوقفها القيصر وقال لو أن البيض يصير بلون أحمر أصدق ان المسيح قام من الأموات. عندها أخذت المجدلية بيضة وقالت "المسيح قام" فتحول لون البيض إلى أحمر، واتّبعت الكنيسة هذا التقليد بصبغ البيض على الفصح تأكيدًا على قيامة المسيح. لهذا السبب تُرسم القدّيسة مريم المجدليّة حاملة بيضة حمراء في يدها، (وكذلك يرمز البيض كما أن فرخ الدجاج يشق البيضة ويخرج إلى الحياة هكذا المسيح شق القبر وقام من الأموات).

بالخلاصة، ثبتت النسوة اللواتي تبعن يسوع جرأتهن، وقد شهدنا في العصور المسيحية الأولى بطولات لقدّيسات شهيدات، كتقلا وبربارة وكاترينا، وكثر اللواتي نذرن أنفسهن للعريس السماوي، وعليه نأمل في هذا العيد المجيد أن تتذكر كل امرأة أن الرب يقبلها بخطيئتها، ولا بجلدها على مثال البشر، كما أنها مدعوة لتحمل بشرى القيامة لبيتها ومحيطها وبيئتها، من خلال أخلاقها النبيلة ومناقبيتها السليمة وإيمانها الراسخ بالله ورجائها الذي لا يتزعزع. كنيستنا اليوم قائمة على أكفّ الصبايا والسّيدات، وهنّ الأصدق في ممارسة سرّ التوبة والإعتراف، والأصدق في مشاعرهن تجاه الله، حيث يترجمنَه تربية صالحة في بيوتهن.

لا تخافي سيّدتي، اذا كنت في الخطيئة، ان تنتقلي من عشق الهوى والزنى وعبادة الجسد، بإرادتك ام مرغمة، إلى عشق الله القادر أن يصيّرك عروسًا نقيّة له. لا تتواني لحظة عن سلوك الدرب الطاهرة حتى لو انغمست في الفجور إلى أقصى الحدود، فالله يعرف قلبك ويستطيع أن يصيّرك إناءً له، إذا شرّعت باب قلبك له، كما فعلت القدّيسة مريم المصرية والمجدلية من قبلها.

أيّتها السيدات أنتنّ صخرة الإيمان في المجتمع وفي الأوطان، لا تهملنَ هذه الوديعة، بل انطلقنَ إلى العالم وبشّرنَ بفرح القيامة.