فيما ​طرابلس​ ولُبنان "على فوهة تداعيات (زَوْرق المَوْت)"... يبدو أَنّ التطوّر الخَطِر في تهريب سُفن المَوْت وزوارقه، قد وَضَع لُبنان أَمام واقعٍ شديد التوتُّر، وبخاصّةٍ بعدما لاحت معالم تَوْظيفٍ سياسيٍّ وانتخابيٍّ يُخشى أَن يتمادى بالتّحريض على اضطراباتٍ لا تَحتَمل طرابلس، ولا أَيّ منطقةٍ في الشّمال، ولا حتّى أَيّ منطقةٍ لُبنانيّة... تداعياتها الخَطِرة وسط الظُّروف الرّاهنة المأسويّة اجتماعيًا مِن جهةٍ، ومع اقتراب العدّ العكسيّ للانتخابات النّيابيّة مِن مرحلته الحاسمة مِن جهةٍ أُخرى!. وَمِن هذا المُنطَلَق، تُؤكّدُ "مُفوّضيّة ​اللاجئين​"، و"مُنظّمة ​الهجرة​"، أَنّ "مأساة غرق القارب في مياه طرابلس ليل السّبت، تُؤكّد حاجة لُبنان إِلى الدّعم (الدّوليّ) المُستمرّ"...

وكيلا يُصار إِلى تعليق الآمال على "دعم دوليٍّ" مرحليٍّ، مشروطٍ وغير مُؤكَّد، يبقى السُّؤال الأَهم: ما الحُلول المطلوبة لُبنانيًّا لمُواجهة تداعيات "زَوارق المَوت" الشّديدة الخُطورة؟!.

عصابات التّهريب

وتتمّ "الهجرة غير الشّرعيّة" بالتّنسيق مع "عصاباتٍ مُتخصّصة" في عمليّات التّزوير، إِذا كانت شُروط التّهريب تتضمّن ذلك أَيضًا. ولكِن لنَفْترض أَنّ التّهريب تمّ "على خيرٍ وسلامةٍ"، فإِنّ سُلطات الأَمن في مطارات الدُّول المَقصودة بالتّهريب، قد تلتفِتُ مبدئيًّا إِلى هذه الطّريقة، فتُبادر بترحيل الهاربين إِليها، وإِعادتهم إِلى بلدانهم الأَصليّة مُجدّدًا، وعدم السّماح لهم بدُخول أَراضيها. ولكنّ ذلك لا ينطبق بالضّرورة على التّهريب عبر البحر في لُبنان، الّذي تقوم به فئةٌ أُخرى من "العصابات"!.

ولكنّ المُلاحظ مِن خلال تغطية الإِعلام المرئيّ لمأَساة غرق "زورق المَوْت" السّبت في طرابلس، أَنّ النّاجين، كما وأَهاليهم، يمتنعون عن ذِكْر أَيّ تفصيلٍ في شأن العصابة الّتي حاوَلَت تهريب ضحايا "زَوْرق المَوْت" الطّرابلسيّ.

التحدّي المُميت!

لاجئو القوارب، مثل المُهاجِرين الآخرين، قادتهم مجموعةٌ مُتنوّعةٌ مِن العوامل، الدّافعة إِلى الفرار مِن أَوطانهم، بدءًا مِن الحرمان الاقتصاديّ، وحتّى القمع السّياسيّ، ومِن الحرب الأَهليّة، إِلى الفَوْضى، الّتي تتبع "التّغيُّرات الثّوريّة"، ومِن الكوارث الطّبيعيّة المُفاجئة، إِلى التّغييرات البطيئة لتغير المُناخ.

وترى الدُّوَل، على نحوٍ مُتزايدٍ "أَعالي البحار"، بوصفها مجالًا لتوسيع إِجراءات السّيطرة على حُدودها، وتدفعُها مجموعةٌ مُتنوّعةٌ مِن إِجراءاتٍ خارج الحُدود الإِقليميّة؛ لمنع وصول الرّحلات غير المُصرّح بها، وتعزي بعض الدُّول ذلك إِلى أَنّ مسؤُوليّاتها القانونيّة-الدّوليّة، لا تسري عليها عندما تتّخذ إِجراءاتٍ خارج حُدودها البريّة أَو البحريّة، وكأَنّها تخلق منطقةً تنعدم فيها حماية حُقوق المُهاجرين، وتصعب مُراقبة أَفعال الدُّوَل عندها.

قوارب الأَطفال!

وتحدّثت صحيفة "ديلي ميل" البريطانيّة، عن قيام اثنَيْن مِن المُهاجرين غير الشّرعيّين مِن باكستان، بمُحاولة دُخول بريطانيا، باستخدام لعبةٍ على شكل زَوْرقٍ مطّاطيٍّ، يكفي لحمل طفلٍ صغيرٍ مِن خلال القناة الإِنكليزيّة. وتعتقد التّقارير الصّحافيّة، أَنْ ثمّة أَشخاصًا ساعدوهم، عن طريق إِسقاطهم مِن يختٍ أَبحر بَيْن بريطانيا وفرنسا. ولسوء الحظ فقد سقط الشّخصان في أَكثر ممرّات الشّحن ازدحامًا في العالم، وتعرّضا لخُطورة الدّهس مِن النّاقلات الثّقيلة والعبارات، ولكن تمّ إِنقاذُهما مِن قَوارب النّجاة، المُتواجِدة في القناة الانكليزيّة!.

قارب المَوت الطّرابلسيّ

وبالعَودة إِلى لُبنان، فإِنّ الهجرة غير الشّرعية، في طرابلس الفيحاء، إِنّما هي – في الدّرجة الأُولى – بسبب الوضع المعيشي والحياتيّ المُذري الّذي آلت إِليه الأَوضاع المعيشيّة في لُبنان، وبخاصّةٍ في شماله. فالوَضع المُذري يدفع بالنّاس إِلى رُكوب بحرٍ مِن الأَخطار، علّهُم ينجون مِن أَنياب العَوَز ويحصلون على حُقوقِهم الإِنسانيّة، ولو في حدّها الأَدنى مِن مُقوّمات العَيْش الكَريم!...

ولكنّ هَؤُلاء، لا يصلون أَبدًا إِلى النّجاة مهما حاولوا، ويسقط بعضهم ضحايا الدّفاع عن الحُقوق الإِنسانيّة البسيطة والعَيْش الكَريم...

الحُلول المعيشيّة

وقد يَكون لا خلاص لهؤُلاء المساكين، إِلّا بإِيجاد فرص عملٍ لائقةٍ بهم، وتَوْفير أَبسط حُقوق الإِنسان... وهي الحقّ في العمل، والمَسكَن، والبيئة النّظيفة... وكذلك الاستفادة مِن الطّاقة الكهربائيّة!... إِذ إِنّ هذه الاحتياجات إِنّما هي أَساسيّةٌ.

وقد بات النّاس معنيّين اليَوْم أَكثر في هذه الحقوق، وبخاصّةٍ بعدما سُلِبَت أَموالُهُم منهُم، وخسروا أَعمالهُم ومصادر دخلهم!... فيما تتطلّب "الخطّة الاقتصاديّة" لإِنقاذهم، مِن الدّولة اللُبنانيّة، دعم المُؤَسّسات الصّغيرة، والتّعاونيّات الزّراعيّة... وصولًا إِلى خطّةٍ أُخرى، طويلة الأَمَد.

بَيْدَ أَنّ الالتزام الكامل بتنفيذ كامل خُطُوات "خطّة الإنقاذ"، إِنّما هُو مِن الشُّروط الضّروريّة لإِصابة الأَهداف الإِنقاذيّة وتحقيقها بالكامل، إِذ لا يمكننا المُبادَرَة بخطّةٍ، ومع أَيّ تغييرٍ وزاريٍّ يتوقّف العمل بها. بل ثمّة تخطيطٌ ينبغي أَن يحصل في الوزارات، يمكن تسميته بالـ (حَوْكَمَة)، وهذه الأَخيرة مُرتبِطة بدَوْرها باللامركزيّة الإِداريّة، وكُلّ ذلك يُشكّل سلسلةً مُتكاملةً تُوفّر (الاستدامة).

ولكن ما يتمّ تحديدًا في لُبنان، أَنّ جزءًا مِن خطّة النّهوض يُقرّ، فيتمّ التّصويت علَيْه، كما ويتمّ الحُصول على القرض لإِتمام هذا الجزء، ومن ثمّ يتوقّف العمل عند هذا الحدّ... فتضيع الخطّة بمفهومها المُتكامِل!.

إِنّ (الاستدامة) هي ضمان سَرَيان العمل على تنفيذ أَيّ خطّةٍ شاملةٍ، وإِذّاك فقط، يُمكن الحديث عن إِيجاد فرص عملٍ. وَفق آليّةٍ لهذه الغاية.

وتبقى الإشارة إِلى أَن لا يُمكن إِنجاز التّفاوض مع صُندوق النّقد الدّوليّ، مِن دون أَن تكون ثمّة خطّةٌ وإِجراءاتٌ... وكذلك حرصٌ على ضمان حُقوق المُواطِنين وبخاصّةٍ مُتوسّطي المودِعين وأَصحاب الإِيداعات الصّغيرة في ​المصارف​. كما وأَنّ الفشل في إِقرار (​الكابيتال كونترول​) يأتي في هذا السّياق غير المُراعي لحُقوق أَصحاب الإِمكانات الماليّة المُتواضِعة.