يبدو أن الحرب في أوكرانيا تتجه، في الأيام المقبلة، إلى المزيد من التصعيد، إنطلاقاً من الخطوات التي سعت الولايات المتحدة للقيام بها، على قاعدة زيادة الدعم العسكري إلى كييف، بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين، الأمر الذي سيدفع موسكو إلى تصعيد مقابل على أكثر من جبهة.

إنطلاقاً من ذلك، جاء إعلان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن بلاده وحلفاءها قرروا تشكيل مجموعة اتصال شهريّة لضمان قدرة أوكرانيا على صدّ الهجوم العسكري الروسي، بعد أيّام من إعلانه أن واشنطن تريد أن ترى موسكو ضعيفة إلى حدّ لا تستطيع معه القيام بالأشياء التي قامت بها مثل غزو أوكرانيا.

من وجهة نظر أوستن، كييف من الممكن أن تكسب الحرب إذا ما حصلت على "المعدّات المناسبة"، الأمر الذي يفسّر المساعي إلى رفع مستوى الأسلحة التي تزوّد بها من قبل الدول الغربيّة. في حين كانت وزيرة الدفاع الألمانيّة كريستينه لامبرشت قد كشفت أنّ بلادها قرّرت تزويد أوكرانيا بمركبات مدرعة من طراز "غيبارد" المضادة للطائرات.

في المقابل، عمدت موسكو، في الأيام الماضية، إلى تنفيذ تهديداتها المتكررة بإستهداف الأسلحة الغربيّة المُرسلة إلى أوكرانيا، حيث أعلنت وزارة الدفاع عن تدمير محطات سكك حديديّة فرعيّة في أوكرانيا، كان يجري عبرها تزويد القوّات في دونباس بالأسلحة والمعدات العسكرية الأجنبيّة، كما استهدف الجيش الروسي محطات كهربائيّة مخصّصة لتزويد سكك الحديد بالطاقة. بالتزامن، تمّ الإعلان عن توقف إمدادات الغاز الروسيّة إلى كل من بولندا وبلغاريا، على خلفيّة رفضهما سداد ثمنه بالروبل، في مؤشّر إلى أن تصعيد موسكو لن يكون عسكرياً فقط بل إقتصادياً أيضاً.

في هذا السياق، يشير المتخصّص في شؤون الأمن القومي الروسي والعلاقات الروسيّة الأطلسية الدكتور محمد سيف الدين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن تطورات الأزمة، لا سيما بالتزامن مع تعثر المفاوضات بين الفريقين المعنيين مباشرة بها أي روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة، التي تسعى إلى حشد حلفائها الأوروبيين، وروسيا التي تقوم بتجارب صاروخيّة لها معاني كبيرة، يعطي إنطباعاً عن إرتفاع حدة المواجهة القائمة.

من جانبه، يشرح الصحافي اللبناني المقيم في روسيا عبد الرحيم عاصي، في حديث لـ"النشرة"، أن الجانب الروسي يسعى من خلال التصعيد الحالي إلى قطع خطوط الإمداد عن القوات الأوكرانيّة، خصوصاً في المناطق الشرقيّة، بشكل يمنعها من الإستمرار في المعركة، نظراً إلى أنه يريد الإنتهاء من العمليات في دونباس بأسرع وقت ممكن، خصوصاً أن نوعيّة الأسلحة والإمدادات التي يتم الحديث عن إرسالها إلى الجيش الأوكراني تسمح له بالإستمرار في المواجهات، ويتحدث عن هدفين أساسيين: تأمين الجبهة الغربية لروسيا وفتح الطريق البرّي نحو جزيرة القرم.

بالنسبة إلى موضوع الغاز، يوضح سيف الدين أنه في البداية تم تحييده من الجانب الأوروبي، لكن لاحقاً وجدوا أن الروسي لديه خيارات أخرى، أبرزها موضوع طلب الدفع بالروبل، الأمر الذي رفع من مستوى الضغوط على الأوروبيين المضطرّين إلى التعامل مع موسكو في هذا المجال، نظراً إلى عدم توفر إمدادات أخرى في السوق العالمي، ويرى أنه بحال تصاعد الأزمة من الممكن الحديث عن أن منتصف الصيف المقبل سيكون لحظة إستسلام الأوروبيين لرغبة روسيا في هذا الاطار، لكنه لا يستبعد أن يقود هذا الضغط المتبادل بالوصول إلى تسوية.

من وجهة نظر عاصي، موسكو تعتبر أنها نجحت في إستيعاب العقوبات التي فرضت عليها، بالإضافة إلى أنها إستخدمت ورقة الغاز في وجه الدول الأوروبية، بمعنى أن ليس لدى الجانب الآخر من قدرة على إستخدام هذا السلاح بشكل أكبر، وبالتالي هي تبحث عن الوسائل التي تسمح لها بالإلتفاف على العقوبات مستفيدة من النموذج الإيراني.

أما بالنسبة إلى مسار الأزمة، يرى عاصي أن الشروط الروسية لا تزال على حالها، لكن شروط أي إتفاق جديد ستفرضها الوقائع الميدانية، الأمر الّذي أكد عليه وزير الخارجية سيرغي لافروف مؤخراً، لكنه يلفت أيضاً إلى أن موسكو تصرّ دائماً على أنها تفضل الحوار مع الأصيل لا الوكيل، أي مع الولايات المتحدة التي على ما يبدو لا تريد إنهاء الحرب الآن، نظراً إلى أنها تعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مجرد دمية في يد واشنطن.

في المحصّلة، يبدو أن الحرب في أوكرانيا تتجه، في الفترة المقبلة، إلى المزيد من التصعيد، لكن هذا الأمر في لحظة ما قد يقود إلى فتح أبواب التسوية، خصوصاً في ظلّ التداعيات الكبيرة التي تترتب على هذه الأزمة، لا سيما على المستوى الإقتصادي.