مع تسجيل اللوائح بصورتها النهائية بشكل رسميّ، قيل إنّ معالم الانتخابات النيابية المرتقبة في منتصف أيار المقبل قد تبلورت وأصبحت واضحة، مع إنجاز "التحالفات" التي لم تعد قابلة لأيّ أخذ أو ردّ أو تعديل بموجب القانون الساري التنفيذ، ولم يعد يبقى سوى اعتماد "التكتيكات" المناسبة من قبل كلّ لائحة، لضمان الفوز بالعدد الأكبر من المرشحين.

لكن، مع اقتراب موعد الانتخابات أكثر فأكثر، وبدء موجات "التشكيك" بحصول الانتخابات بالتراجع، بحكم "الأمر الواقع" ربما، ولو أنّ كثيرين لا يزالون "يراهنون" على حدثٍ ما في ربع الساعة الأخير، قد "يقلب" قواعد اللعبة، بدأت تظهر معالم "معارك" مختلفة في الشكل والمضمون، لم تكن مرتقبة أو متوقعة، ولو أنّ تجربة 2018 شهدت بعضًا منها.

ولعلّ مراقبة الأجواء الانتخابية في العديد من الدوائر والأماكن تكفي للدلالة على "طغيان" المعارك "المستجدّة" داخل اللوائح على تلك "البديهية" بين اللوائح، حتى إنّ بعض المرشّحين "الحلفاء" باتوا يخوضون معارك "كسر عظم" في وجه بعضهم البعض، سواء في العلن أو في الكواليس، في سياق "سباقهم" على الأصوات التفضيلية، إن جاز التعبير.

فلماذا تسود مثل هذه الأجواء بين مرشحين يفترض أنّهم يخوضون المعركة على أساس فريق واحد، وبرنامج يفترض أن يكون موحَّدًا، بمعزل عمّن يفوز ومن يخسر؟ وهل تُعتبَر هذه الظاهرة طبيعية ومشروعة، طالما أنّ هناك من يردّها إلى "تعقيدات" قانون الانتخاب؟ وهل هذه "الحُجّة" في مكانها، وهي التي يلجأ إليها البعض للحديث عن تحالفات انتخابية "مصلحية"؟.

في المبدأ، لا يبدو أنّ السباق على "الأصوات التفضيلية" بات خافيًا على أحد، ولو أنّه في بعض اللوائح يبدو ظاهرًا بقوة، في حين يبقى "محصورًا" في الكواليس في لوائح أخرى، وهو يتركّز بشكل خاص في الدوائر "غير المقفلة"، إن جاز التعبير، أو عند اللوائح التي "تضمن" الحصول على حاصلٍ واحدٍ مثلاً، ما يجعل المرشحين عن مقعد ما "يتنافسون" على الظفر بالعدد الأكبر من الأصوات التفضيلية، لانتزاع من "الحليف الخصم"، إن جاز التعبير.

لا شكّ أنّ المثل الأول الذي يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن "حلفاء خصوم" هو "نموذج" المرشحين عن "التيار الوطني الحر" في جزين زياد أسود وأمل أبو زيد، إذ إنّ "الخلافات" بين الرجلين اللذين لا ينتميان إلى لائحة واحدة فحسب، بل إلى حزب واحد، باتت أكثر من "فاقعة"، وقد وصف أحدهما الثاني علنًا بـ"سيء الذكر"، علمًا أنّ هناك من يبرّره بأنّ "التيار" يضمن فوز مرشح واحد عن المقعد الماروني، ما يجعلهما "خصمين" بدرجة امتياز.

لكنّ "نموذج" أسود وأبو زيد، على فقاعته، قد لا يكون الوحيد، فثمّة نماذج أخرى لمرشحين يتقاسمون "الصحن الشعبي" نفسه، ويتنافسون بالتالي على "مجموع" الأصوات التفضيلية، قد يكون من بينهم مثلاً فريد وناجي البستاني، اللذين يترشحان على لائحة واحدة، ويتقاسمان في الوقت نفسه أصوات "البساتنة"، ما يخلق تلقائيًا معركة "عائلية سياسية" بينهما، خصوصًا أنّ كلّ الاستطلاعات ترجّح فوز أحدهما فقط بنتيجة الانتخابات.

وقد لا يكون واقع أسامة سعد وعبد الرحمن البزري مختلفًا في صيدا، فهما يترشحان عن المقعد السنّي، وسط تقديرات "تستبعد" فوزهما سويًا، وإن كانا يتوقان لذلك عمليًا، ويتكرّر الأمر نفسه في العديد من الدوائر التي يتوقع أن تشهد معارك "طاحنة"، كما في المتن على سبيل المثال لا الحصر، أو في طرابلس، وحتى في كسروان، وفي زحلة، من دون أن ننسى معركة "الجبل" التي تنذر بـ"حماوة" غير مسبوقة الشوف خصوصًا.

بالنسبة إلى كثيرين، فإنّ كلّ ما سبق لا يعدو كونه "ترجمة عملية" لتعقيدات قانون الانتخاب الذي يوصف في أوساط كثيرة بـ"الهجين"، فهو حين ينصّ على "صوت تفضيلي" واحد، يفرغ "النسبية" التي يقوم عليها من مضمونها، ويحوّل المعركة عمليًا إلى "تنافس بين الأشخاص"، ما يجعله بحسب العديد من الخبراء الانتخابيين، إلى "نظام أكثري مقنّع"، يستعيد نغمة "التشطيب"، ولكن بشكلٍ مختلف وأكثر "تجدّدًا" ربما.

في المقابل، ثمة من يعتبر أنّ اللجوء لمثل هذا "التبرير" لظاهرة "الحلفاء الخصوم" ليس سوى "تسطيح وتبسيط" للعملية، خصوصًا أنّ "النسبية" التي يتباهى بها جميع المرشحين، تقوم في واقع الأمر على معركة بين "برامج" لا "مرشحين"، وهو ما يتناقض عمليًا مع "بدعة" التحالفات الانتخابية التي يتمسّك بها البعض، وكأنّها "تحصيل حاصل"، بل أمر "مشروعة"، في حين هي أبعد ما يكون عن جوهر العمل السياسي الواقعي، وعن جوهر الديمقراطية ككلّ، إن وُجِدت.

في مُطلَق الأحوال، يُعتقَد أنّ "الصوت التفضيلي" سيكون أساس "معركة" 2022، كما ظهر أساسًا في انتخابات 2018، إلا أنّ المختلِف هذه المرّة أنّ قانون الانتخاب "خضع" للكثير من الدرس والتمحيص، وفهِم معظم المرشحين "طرقه" وربما "بدعَه" على كثرتها، علمًا أنّ بعض الأحزاب ستنجح في "تجنّب" الكأس المرّة، من خلال توزيع الأصوات التفضيلية فيما بين مرشحيها، في حين أنّ واقع بعض الدوائر يجعل ذلك أشبه بالمهمّة المستحيلة.

يبقى انتظار منتصف أيار المقبل "الفيصل"، ولكن حتى يحين الموعد، قد تكون الساحة على موعد مع تجاذبات ومعارك أكثر حدّة، بين مرشحي اللوائح نفسها، لأنّ "الأساس" الذي بنيت عليه هذا اللوائح يبقى "الطمع" بالحصول على المقعد قبل أيّ شيء آخر، وهنا بيت القصيد الذي يجدر التفكير به مليًا!.