انتهت المرحلة الاولى من ​الانتخابات النيابية​ وحملت معها الكثير من المعطيات. اول النتائج التي يمكن تسجيلها ان ما راهن عليه الغرب وعمل من اجله لاشهر طويلة قد تحقّق، وها هي الانتخابات تحصل بالفعل بعد الكثير من التشكيك والقلق على مصيرها، ونحن على بعد ايام قليلة فقط على موعد المرحلة الثانية منها والتي ستعلن نهاية هذا الاستحقاق الانتخابي، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك من يشكك ويعلن ان الانتخابات لن تحصل في موعدها.

ولكن ما افرزته ​انتخابات المغتربين​، وعلى عكس ما يروّج له المسؤولون ورؤساء الاحزاب والتيارات السياسية، اثبتت ان هناك مشكلة حقيقيّة رافقت اللبنانيين الى خارج لبنان. فإذا احتسبنا اعداد المغتربين اللبنانيين، نرى انهم بالملايين ولم يتسجّل منهم سوى نحو ربع مليون ناخب، فيما لم يقترع اكثر من حوالي 130 الف لبناني في العالم فقط. لمن يريد ان يرى الناحية الايجابية، يمكنه الاعتداد بأن العملية سارت كما يجب في مختلف دول العالم من دون اعتراضات اساسية، وان الحملة التي قامت بها الاحزاب والتيارات السياسية على اختلافها خلال السنوات الاربع الفائتة لحثّ ​اللبنانيين المغتربين​ على استعادة نشاطهم الانتخابي، قد ادّت الى تحسن نسبي بعد ان ارتفعت نسبة المسجّلين من حوالي 60 الف الى نحو 230 الف شخص. ويمكن ايضاً القول ان مشاركة المغتربين للمرة الثانية على التوالي في الانتخابات حتى في غياب مقاعد مخصصة لهم، هو امر جيد بحد ذاته.

من جهة ثانية لا بد من الاضاءة مجدداً على الرقم القليل الذي تّم تسجيله ان على صعيد الناخبين او المقترعين، اذ من المفترض ان تؤدّي الحركة التي حصلت خلال السنوات الاربع الماضية الى ارتفاع كبير في عدد الراغبين في المشاركة في هذا الاستحقاق حتى يرتفع عدد المقترعين الفعليين الى مرتبة المليون او اكثر. اما عدم الوصول الى هذا العدد، فيعني انّ المشكلة اللبنانية انتقلت من لبنان الى الخارج، ولم يكن مشجعاً ابداً رؤية المغتربين "يتعاركون" و"يتقاتلون" من اجل الاحزاب والتيارات السياسية في وقت يعاني البلد من كل انواع المشاكل ويغرق في بحر المصائب الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة. وهذا الامر ان دلّ على شيء، فعلى ان غير المتحزبين هم النسبة الاكبر في الخارج، ولكنّهم لم يجدوا بعد ما يدفعهم الى الايمان بأنّ التغيير المنشود اصبح على الابواب، ففضّلوا البقاء في الدول التي لجأوا اليها وتأمين مستقبلهم ومستقبل اولادهم هناك، على المخاطرة بهذا المستقبل في بلد لا احد يضمن فيه القدرة على اجراء تغييرات جذريّة تنقله من حالة الى اخرى.

هل يمكن القول ان المغتربين فقدوا ثقتهم بلبنان؟ من المبكر معرفة الجواب على هذا السؤال، ولكن من المؤكّد ان حماستهم غير واضحة كي لا نقول انها غير موجودة، وان 130 الف مقترع في العالم من اصل اكثر من 10 ملايين لبناني موزعين على الدول القريبة والبعيدة، هو رقم ضئيل ولا يوحي بثقة اللبنانيين في الخارج على الرؤية التي يضعها المسؤولون والزعماء السّياسيون في الوطن الام. وهذا الامر يزيد من احباط الفئة القليلة من المقيمين التي لا قدرة لها على احداث ايّ خرق مهمّ في مسار الامور، وهو ما سيظهر يوم الاحد المقبل، بحيث من المتوقّع ان ينبثق عن هذه الانتخابات ​مجلس نواب​ "مستنسخ" عن الحالي ما خلا بعض المقاعد. هذا الامر سيؤدّي بطبيعة الحال الى جملة "استنساخ" للاوضاع كافة، ما يعني ان "حليمة سترجع الى عادتها القديمة"...