سمح الإنتشار الواسع لمواقع التواصل الإجتماعي في تحوّل المواطنين، عبر حساباتهم عليها، إلى شركاء أساسيين في المعارك التي تخوضها اللوائح الإنتخابية في المرحلة الراهنة، لا سيما أن الأحزاب والتيارات السياسية كانت قد عمدت، في السنوات الماضية، إلى تنظيم القسم الأكبر من جمهورها الإفتراضي، بشكل يسمح لها بتوجيههم بشكل أو بآخر.

في الإنتخابات النيابية التي يشهدها لبنان في الوقت الراهن، كان لهذه المواقع حضوراً بارزاً، خصوصاً أن العديد من المرشحين تنبّهوا إلى تأثيرها على الناخبين، خصوصاً فئة الشباب منهم الذين يمضون ساعات طويلة في تصفحها، الأمر الذي دفعهم إلى تركيز حملاتهم الإنتخابية عبرها، لا سيما أن تكلفتها المادية قد تكون أقل من وسائل الإعلام التقليديّة.

في المقابل، لعبت هذه المواقع دوراً سلبياً في مسار العديد من المرشحين، نظراً إلى أن مؤيدي المرشحين الآخرين عمدوا إلى إستغلال مواقف سابقة، كانوا قد أدلوا بها قبل فترة طويلة، من أجل شنّ حملات ضدّهم، بهدف دفعهم إلى التراجع عن خوض المعركة أو الأقلّ افقادهم شريحة من الناخبين الذين قد يختاروا التصويت لهم.

بعيداً عن الحملات المتبادلة بين اللوائح أو المرشحين، كان لافتاً، في الدورة الحالية، إرتفاع مستوى "التخوين" الجماهيري، لدرجة باتت هذه العملية هي من العناوين الأساسية لهذا الإستحقاق، خصوصاً أن الغالبية العظمى من المتنافسين لا تملك برنامجاً تستطيع أن تتوجه به إلى الناخبين، لإقناعهم بالتصويت لصالحهم، نظراً إلى أن المنافسة باتت حول عناوين بعيدة عن إهتمامات المواطنين اليومية، في بلد يشهد منذ 3 سنوات إنهيارا شاملا على كافة المستويات.

في الدورات الماضية، كانت هذه العمليّة من الأسلحة التي تستخدم بين القوى السياسية، لا سيما داخل كل بيئة طائفيّة من جانب الفريق الأساسي فيها، على قاعدة أنّ هذا الأمر من الممكن أن يدفع المعارضين للتراجع عن مواقفهم، على أساس أنّهم سيصنفون من الخارجين عن "الإجماع" أو الذين يعرّضون الطائفة إلى الخطر، وهي لا تقتصر على الفترات الإنتخابيّة فقط بل هي سياسة معتمدة بشكل عام.

اليوم، يمكن الحديث أنّ هذه العمليّة تخطت كل الحدود، لتصل إلى توجيه الإتهامات "الترهيبيّة" للناخبيين، الذين قرّروا الإقتراع بورقة بيضاء أو مقاطعة الإستحقاق الحالي، من دون أن يكون لهم أيّ موقف سياسي مؤيّد لهذه اللائحة أو تلك، فـ"الناخب الذي ليس معنا هو ضدّنا، وبالتالي من الممكن توجيه أقصى الإتّهامات له"، وهو ما تعبر عنه الجماهير المؤيدة لمختلف الأفرقاء على مواقع التواصل الإجتماعي بشكل لافت، الأمر الذي يستطيع أيّ فريق أن يتنصل منه على أساس أنه ليس قراراً رسمياً للقيام بهذه الممارسات.

في هذا الإطار، تستخدم الأحزاب والتيارات السياسية التقليديّة عبارات "التخوين" و"العمالة" على نطاق واسع، في سياق ترهيب الناخبين أو المقاطعين، وتذهب بعيداً في ذلك عندما تجد ما يمكن الإستناد إليه في النصوص الدينيّة لدعم موقفها، بينما تعمد القوى الجديدة إلى أساليب أخرى، تقوم على أساس أن من لا ينتخبها أو لا يشارك في العمليّة الإنتخابية هو من "الغنم"، الذين لا يحقّ لهم التعبير عن إمتعاضهم بعد السادس عشر من أيار، بدل البحث عن الأسباب التي دفعت المواطنين إلى عدم التصويت إلى هذا الخيار أو ذاك.

في المحصّلة، بعيداً عن السرديّة المعتمّدة، في هذه الأيام، عن أنّ المشاركة في الإنتخابات هي واجب على كل ناخب ممارسته، وما ينبغي التشديد عليه هو أن الإقتراع حق وليس واجباً وإلا كان من المفترض أن ينص القانون على عقوبة أو غرامة تفرض على أنّ من لا يقوم بهذا الواجب، بينما هذا النوع من الحملات، الذي قد يكون مفيداً إنتخابياً في بعض الأحيان، قد يكون له تداعيات عكسية في أحيان أخرى.