منذ اليوم الأول لبروز نتائج الإنتخابات النيابية، خصوصاً لناحية عدم وجود أكثرية نيابية واضحة لدى أي فريق سياسي، تطرح العديد من السيناريوهات حول التداعيات التي من الممكن أن تترتب على مجموعة من الاستحقاقات الدستورية نتيجة ذلك، خصوصاً ملف تشكيل الحكومة المقبلة حيث يؤكد الجميع ضرورة إنجازه بأسرع وقت ممكن لتفادي المزيد من الإنهيارات الإقتصادية والإجتماعية.

في هذا الإطار، قد يكون من المنطقي الحديث عن أن هذا الإستحقاق مؤجل إلى حين الإنتهاء من إنتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه بشكل أساسي، لكن من الناحية العملية بدأت في بعض الأوساط السياسية الأسئلة عن الشخصية التي من الممكن تكليفها بهذه المهمة، خصوصاً بعد ضخ معلومات عن أن المملكة العربية السعودية لا تفضل عودة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي إلى هذا المنصب، الأمر الذي قد يعيد إلى الواجهة السفير السابق نواف سلام.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن ميقاتي لا يزال هو الإسم الأبرز، بالرغم من التحولات التي أفرزتها صناديق الإقتراع، نظراً إلى أن الرجل لا يزال يحظى بدعم العديد من الجهات الإقليمية والدولية، خصوصاً فرنسا التي تتحضر لطرح مبادرة جديدة في المرحلة المقبلة، وهو في الأصل كان قد نجح في إنجاز ملفين أساسيين: الأول الإتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، أما الثاني فهو إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها.

وتلفت هذه المصادر إلى أن باريس، التي كانت في الأصل قد نجحت في تأمين عودة الرياض إلى بيروت، قادرة على بناء تفاهمات حول هذه المسألة مع كل من واشنطن وطهران، نظراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تدعم الجهود التي تقوم بها، بينما تحتفظ فرنسا بقنوات تواصل قوية مع كل من إيران و"حزب الله"، وهي في الأصل لديها مصلحة في عدم ذهاب الملف اللبناني إلى المزيد من التعقيدات في المرحلة المقبلة، نظراً إلى أن ذلك قد يقود إلى عرقلة أي مبادرة من الممكن أن تقوم بها.

على الرغم من هذا السيناريو، لا يزال في لبنان من يخشى عدم القدرة على تأليف حكومة جديدة، حتى ولو تم التوافق على إعادة تكليف ميقاتي أو أي شخصية أخرى، نظراً إلى أن ذلك يعني إستمرار الحكومة الحالية، التي باتت بحكم المستقيلة، إلى ما بعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي إنتظار الإنتهاء من ملف الإنتخابات الرئاسية لتأمين ولادة حكومة جديدة، الأمر الذي يذكر بالأسباب التي كان قد طرحها رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية لتسمية الوزير زياد مكاري، كبديل عن وزير الاعلام المستقيل جورج قرداحي.

حول هذا الموضوع، يشير الخبير القانوني الدكتور عادل يمين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الدستور في هذه الحالة لا يميز بين حكومة تصريف الأعمال وحكومة مكتملة الصلاحيات، حيث يتحدث عن أنه في حالة الشغور الرئاسي تناط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء، وبالتالي الحكومة التي باتت بحكم المستقيلة، بعد الإنتخابات النيابية، تستلم الصلاحيات.

بالإضافة إلى ذلك، يرفض يمين وصف هذه الحالة بالشغور على مستوى السلطة التنفيذية، نظراً إلى أنه من الناحية الدستورية هناك حكومة موجودة تصرف الأعمال بالمعنى الضيق، لكنه يؤكد أن ذلك يمكن وصفه بالتعثر، نظراً إلى أن الحكومة ستكون مقيدة جداً على مستوى ممارسة الصلاحيات.

في المحصلة، الواقع الذي تمر فيه البلاد يفترض بجميع الأفرقاء العودة إلى الواقعية السياسية، لإنجاز الإستحقاقات الدستورية بأسرع وقت ممكن، نظراً إلى أن السيناريو الأخير من الممكن أن يكون كارثيا على كافة المستويات، خصوصاً الإقتصادية والمالية والإجتماعية منها.