يومًا بعد يومٍ، يتعاظم شأن وسائل التّواصُل الاجتماعيّ في مختلف مجالات الحياة اليَوْميّة، وضمنًا - وإِلى حدٍّ كبيرٍ - في مجال السّياسة. وقد تجلّى ذلك أَخيرًا في الانتخابات النّيابيّة في لُبنان، في أَيّار 2022.

لم تعُد وسائل التّواصل الاجتماعيّ، بحسب دراسةٍ لـ "مركز حرمون"، "مُجرّد منصّاتٍ للاتّصال الفرديّ أَو للتّعبير عن القضايا الشّخصيّة والأَفكار والمَشاعر الفرديّة لأَصحابها"، كما ولم تبقَ مُجرّد منصّاتٍ للاستثمار التّجاريّ، مِن خلال الإِعلانات والدّعاية للمُنتَجات والخدمات، بل تطوَّرت لتُصبح مثل الصّالونات الفكريّة والأَدبيّة أَو حتّى مقارّ الأَحزاب والنّوادي السّياسيّة ومجالس البرلمانات، الّتي تَجمَع بَيْن جنباتِها فئاتٍ مُختلفةً مِن بنات الشُّعوب الثّائرة على أَنظمة "الاستبداد الحاكِمَة" وبَنيها.

وهذا ما أَثبتته ​انتخابات 2022​ في لُبنان، أَكان مِن خِلال "الجُيوش الإِلكترونيّة" للأَحزاب والتيّارات الكُبرى ("التيّار الوطنيّ الحرّ"، حزب "القوّات اللُبنانيّة"...)، الّتي تشدّ عَصَب مُؤيّديها عبر وسائل التّواصُل تلك، أَو مِن خلال اعتماد وسائل التّواصُل الاجتماعيّ من "مُعارضةٍ فتيّةٍ"، وغير مُكتملة الإِمكانات بعد –بغالبيّتها– لـ"التّسويق الإِعلاميّ"، والعاجزة أَيضًا عن الإِطلالة الإعلاميّة عبر شاشات التّلفزة واللوحات الإِعلاميّة الكبيرة، الّتي قد تَبْدأ كلفة الظُّهور عبرها، ولدقائق قد لا تتجاوز الـ15، بـ12000 ​دولار​ أَميركيّ نقدًا، لقاء الظّهور بضع دقائق على الشّاشة الصّغيرة ولمرّةٍ واحدةٍ فقط!.

علَيْه، وكَوْن غالبيّة "الجبهة المُعارضة" الّتي خاضَت الانتخابات اللُبنانيّة، أَعجز مِن إِمكان ظُهورها الإِعلاميّ عبر التّلفزة، باستثناء "تلفزيون لُبنان" الرّسميّ، حيْث الأُمور "مضبوطةٌ" بعناية "هَيْئة الإِشراف على الانتخابات النّيابيّة". وتدفَع الأَسباب المُشار إِلَيْها أَعلاه أَكثر، في اتّجاه الاتّكال في شكلٍ مُتنامٍ على "وسائل التّواصُل الاجتماعيّ"، الّتي باتَت "مفتاحًا انتخابيًّا" يُحسَب حسابُه في إِطار "العدّة التّسويقيّة" للمُرشّح النّيابيّ!...

لقد فرضَت تلك الوسائل نفسَها على الواقِع العامّ... إِذ تلتجِئ إِلَيْها غالبيّة النّاس، وبالفِطرة، للحُصول على المعرفة. ولكنّ الخطر هُنا، يكمُن في المَعلومات "المَغلوطة" الّتي قد تنساب إِلَيْنا عبر "وسائل التّواصُل الاجتماعيّ" كالنّار في الهشيم... إِذ لطالَما نقلت وسائل إِعلامٍ عن وسائل التّواصُل الاجتماعيّ صورةً أَو تسجيل "فيديو"، ليتبيّن لاحقًا أَنّ الصُّورة تلك قديمةُ العَهْد، أَو أَنّ "الفيديو" مثلًا، عائدٌ إِلى غير الإِطار المكانيّ المَنسوب إِليه، والشّواهد على ذلك كثيرةٌ!... لذا، يُضحي على الأَفراد التّفتيش عن الحقيقة، في كُلّ ما يأتيهم عبر "وسائِل التّواصُل الاجتماعيّ"، وتلك مسأَلةٌ شائكةٌ!.

وفي المُقبل، فقد أَتاحَت هذه الوسائل للأَفراد المُتباعِدين مكانيًّا، أَن يلتقُوا بلا انقطاعٍ، فلم تعُد ضروريّةً جدًّا تلك اللقاءات "الفيزيائيّة" الوجاهيّة بينهُم!، إِذ يكفي أَن تكون ثمّة حاجةٌ إِلى البحث في أَيّ موضوعٍ، حتّى يلتقي أَصحابه، عبر شاشات "الكمبيوتر" أَو "الهواتِف الذكيّة"، لمُناقشته والوصول إِلى مُرادهم منه. صحيح أَنّ اللقاءات الافتراضيّة هذه بدأت تأْخُذ طريقها إِلى كثيرٍ مِن الفعاليّات الإِنسانيّة، على أَعلى المُستوَيات السّياسيّة والعلميّة والاقتصاديّة في زمن ​كورونا​، إِلّا أَنّها باتت جزءًا رئيسيًّا مِن نمط حياة فئاتٍ كثيرةٍ ليس فقط في لُبنان، بل وأَيضًا في مُجتمعاتِنا العربيّة، كما وفي ​العالم​ أَجمع!.

لا شكّ في أَنّ هذه الوسائل قد أَتاحت بدائل عمليّةً وحقيقيّةً لأَساليب اللقاء والاجتماع التقليديّة، ولكنّها في المُقابل ليْسَت مثاليّةً إِلى الدّرجة الّتي تجعلُنا نُسلّم بها نموذجًا أَوحَدَ يُمكن أَن يزيح مِن طريقه النّماذج التّقليديّة!.