منذ إنتهاء ​الإنتخابات النيابية​، هناك عامل جامع بين مختلف الأفرقاء، هو الإصرار على المعارك الوهمية والخطابات الشعبوية، فالبعض لا يزال يبحث عن كيفية إثبات أنه "المنتصر"، حتى ولو كان متيقناً بأن ذلك يرمي على عاتقه مسؤولية كبيرة في بلد منهار على كافة المستويات، بينما البعض الآخر يُصر على رفع الشعارات "الإستعراضية"، التي لا يمكن أن تقود إلى إعادة تحريك عجلة الحياة السياسية.

بعد ساعات قليلة على إغلاق صناديق الإقتراع، كانت جميع القوى تترقب عدد المقاعد التي ستفوز بها، في حين كان المواطنون يترقبون سعر صرف الدولار في السوق السوداء الّذي طار من الفرحة محلّقًا، نظراً إلى التداعيات التي يتركها على كافة المستويات المعيشية، لا سيما أن هذا السعر لا يزال هو الوحيد الذي يسجل المزيد من الأرقام صعوداً.

من حيث المبدأ، من المفترض أن يكون ​لبنان​، في الأيام المقبلة، أمام مجموعة واسعة من الاستحقاقات الدستورية، أبرزها قد يكون إنتخاب رئيس ​المجلس النيابي​ الجديد ونائبه بالإضافة إلى تسمية رئيس الحكومة المكلف وتشكيلها، لكن الواضح، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، أنه لن يكون من السهل الوصول إلى قواسم مشتركة بين مختلف الكتل، في حين ليس هناك من أكثرية قادرة على تجاوز ما هو منتظر بشكل سلس.

بالنسبة إلى هذه المصادر، تركيبة المجلس الحالي تفرض على الجميع التواضع، في حال كان هناك رغبة بالوصول إلى حلول منطقية، لكن في الوقت الراهن ليس هناك ما يوحي بوجود رغبة عند أيّ من الأفرقاء بتقديم تنازلات، فالبعض يتمسك بحكومة الوحدة الوطنية في مقابل فريق آخر يريد الذهاب إلى حكومة أكثريّة وبينهما ثالث يريد الإستمرار في صيغة التكنوقراط، بينما في المقابل الصراع على منصبي رئيس المجلس ونائبه لا يقلّ خطورة، الأمر الذي بات يرجّح الذهاب إلى شلل على مستوى كافة ​المؤسسات الدستورية​، أو التنفيذية منها على الأقل.

في هذا الإطار، هذا الواقع من المؤكد أنه سيقود إلى فوضى عامة وشاملة، الإقتصادية والاجتماعية والسياسية وربما الأمنية في مرحلة لاحقة، الأمر الذي يجب أن يدفع الجميع إلى السؤال عن المخارج الممكنة.

بالنسبة إلى مصادر نيابية متابعة، قد يكون التصعيد القائم يعود إلى أن غالبية القوى لم تخرج بعد من مرحلة الحملات الإنتخابيّة، إلا أنها تلفت إلى أن الإستمرار في ذلك لا يمكن أن يستمر طويلاً، نظراً إلى التداعيات الخطيرة التي قد تجرّ البلاد الى مزيد من الانهيارات المتوالية، وبالتالي المطلوب البحث عن حلول من الصعب أن يكون مصدر إنتاجها محلي، حيث درجت العادة أن يكون لبنان في سكّة إنتظار تلك التي تأتي من الخارج.

من وجهة نظر هذه المصادر، حتى الساعة لا يمكن الرهان إلا على دور ما من الممكن أن تقوم به باريس على هذا الصعيد، لكنها تلفت إلى أن الظروف الإقليمية والدولية قد لا تكون مساعدة، لا سيما أن الواقع اللبناني، في ظل التوازنات الحالية، بات أكثر تعقيداً من الماضي، بينما في المقابل ليس هناك من وقت طويل أمام الجانب الفرنسي لإنجاز المهمة الصعبة.

في المحصّلة، تشير المصادر نفسها إلى أن هناك في لبنان من يتحدث عن السيناريو العراقي، أي التعطيل المتبادل على مستوى المؤسسات الدستوريّة، لكنّها تلفت إلى أنّ المخرج قد يكون، رغم عدم مرور وقت طويل على الإنتهاء من الإستحقاق الإنتخابي، عبر الذهاب إلى السيناريو الإسرائيلي، أيّ الإنتخابات المبكرة، خصوصاً إذا ما انتقل التعطيل من المؤسسات الدستورية إلى الشارع.