منذ ما قبل فتح صناديق الإقتراع، طُرحت مجموعة من الأسئلة حول القوى التي تصنف نفسها "تغييرية"، أبرزها عدم خوض الإستحقاق بلوائح موحدة، الأمر الذي يضعف حظوظها بالفوز بعدد أكبر من المقاعد النيابية، بالإضافة إلى غياب المشروع الواضح، الذي تتقدم به بهدف جذب المزيد من المقترعين لصالحها.

يوم السادس عشر من أيار، أثبتت النتائج أن اللبنانيين يريدون التغيير، لا بل هم لا يمانعون التصويت لصالح لوائح تحمل هذا الشعار في حال كانت لديها فرص حقيقية بالفوز، الأمر الذي تأكد بشكل لا يقبل الشك من خلال نيل اللوائح المتعددة، على مستوى كل لبنان، ما يقارب 330 الف صوت، لكن ما ينبغي البحث فيه هو الخطوة التالية لتحقيق ذلك.

من حيث المبدأ، دخل إلى المجلس النيابي نحو 13 نائباً "تغييرياً"، الأمر الذي من المفترض أن يمثل نجاحاً كبيراً في ظل الواقع اللبناني الطائفي المعروف، خصوصاً أن هؤلاء النواب، في معظمهم، نالوا أصواتاً من مقترعين من مختلف الطوائف والمذاهب، لكن في المقابل يرتب عليهم مسؤوليات يجب التعامل معها بواقعية.

هذا الواقع، يقود إلى أن تجربة هؤلاء النواب ستكون أمام سيناريوهين: الأول هو نجاح التجربة، ما يقود لتشجيع المزيد من الناخبين إلى التصويت لهذه الفئة من النواب أو اللوائح في الإنتخابات المقبلة، أو فشلها الأمر الذي يعيد الناخبين إلى القوى والشخصيات التقليدية، التي تدرك جيداً كيفية إعادة إنتاج نفسها، على ضوء الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي تشهدها البلاد.

حتى الساعة، لا يمكن تقييم تجربة النواب الجدد بشكل حاسم، خصوصاً أن أعمال المجلس النيابي لم تنطلق بعد، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو أن جميع الطرق تقود إلى المكان نفسه، أي غياب المشروع الواضح، الأمر الذي دفع هؤلاء النواب إلى عقد سلسلة من الإجتماعات بهدف تحقيق ذلك، لم تنجح في حسم التوجهات، بينما الأفضل كان أن يكون ذلك قد تم قبل الإستحقاق الإنتخابي.

بشكل أوضح، غياب هذا المشروع قاد بعض "التغييرين" إلى البحث عن المواقف "الشعبوية"، في ظل حالة الضياع التي تسيطر عليهم، نظراً إلى أن هناك من لا يزال لم يصدق أنه بات نائباً عن الأمة، لا مرشحاً يبحث عن كسب المزيد من الأصوات في المعركة، وبالتالي بات عليه طرح الحلول التي تقود إلى إخراج البلاد من الأزمات التي تمر بها، لا رفع لواء المعارضة فقط، إنطلاقاً من أنه لا يريد الدخول في تسويات أو مساومات.

بحسب ما بات يتسرب عن الاجتماعات المذكورة في الأعلى، هؤلاء النواب يتجهون إلى تشكيل مجموعة من الكتل النيابية، تنسق فيما بينها على مستوى تكتل يتم التوافق فيه على مجموعة من العناوين العريضة، لكن من الواضح أن هؤلاء يخشون الذهاب إلى أي خطوة من الممكن أن تفتح الباب أمام حملات يتعرضون لها، بسبب عاملين أساسيين: الأول هو تركيز الإنتباه نحوهم، أما الثاني فهو الخوف من التداعيات الشعبية.

من ناحية أخرى، القدرة على الإنتاج تتطلب التعاون مع مختلف الكتل النيابية، التي أفرزتها أيضاً نتائج الإنتخابات النيابية، لا الخوف من الإتهامات بالتعاون مع "السلطة" أو "المنظومة"، نظراً إلى أن من إختار التصويت لصالح "التغييرين" لم يقم بذلك كي يبقوا في تردد الخطابات والشعارات التي كانوا يطلقونها قبل دخولهم الندوة البرلمانية، بل لأنه يعتبر أنهم البديل الواقعي القادر على إخراجهم من الواقع الذي يعيشون في ظله.

في المحصلة، يبقى سؤال جوهري من الضروري أن يطرح على النواب "التغييرين"، خصوصاً إذا ما نجحوا بتشكل كتلة وازنة في نهاية مشاوراتهم، يتعلق بإمكانية أن تذهب الكتل النيابية إلى تسمية رئيس حكومة مكلف من بينهم، بالرغم من ضعف هذا الإحتمال، فهل سيبقون على موقفهم لناحية رفض "التلوث" بالسلطة، في حين أن المنطقي السياسي يقوم على أساس أن من يخوض الإنتخابات يسعى إلى الوصول إلى السلطة؟