في اليومين الماضيين، ثمّة "حملة غير بريئة" بدأ البعض بشنّها على "الوافدين الجُدد" إلى مجلس النواب، تحت مسمّى "التغيير"، تارةً لأنّهم أثبتوا نجاحًا في "البروباغندا والتسويق" من دون أن يباشروا العمل، وطورًا لأنّهم لم يعلنوا "الثورة" من داخل المؤسسات على قرار وزير الاتصالات الذي تبنّته الحكومة برفع الأسعار، والذي يدخل حيّز التنفيذ مطلع تموز المقبل.

لا شكّ أنّ مثل هذه "الحملة"، التي لا يبدو مستغرَبًا أن ينشط على خطّها بعض أنصار الأحزاب التقليديّة، أكثر من "ظالمة"، فهي تسائل نوابًا يشكّلون أقلية بسبب عدم التحرّك رفضًا لقرار اتُخِذ قبل أن تبدأ ولاية البرلمان، وقد تمّ التمهيد له أساسًا منذ أسابيع طويلة، فضلاً عن كونها تطالبهم بالعمل، في وقتٍ لم يدعُ "رئيس السنّ" بعد إلى أولى جلسات البرلمان حتّى.

لكن، إذا كان طابع هذه الحملة يحمل الكثير من "التجنّي"، وربما "الحكم المسبق" على نواب، يريد البعض أن "يحرقهم"، بعد تصويرهم وكأنهم "الأبطال الخارقون"، فإنّ ذلك لا يعني أنّ نواب "التغيير" ليسوا أمام "امتحان" حقيقيّ، "امتحان" يبدأ من طريقة تعاطيهم مع الاستحقاقات الداهمة، ولا ينتهي عند "التقاطعات" المحتملة بينهم وبين القوى التقليدية.

فإذا كان هؤلاء النواب، بمعظمهم، أعلنوا أنّهم لن يصوّتوا لنبيه بري رئيسًا للمجلس النيابي، انسجامًا مع شعار "كلن يعني كلن" الذي رفعوه في الساحات قبل دخولهم البرلمان، فهل سيلتزمون به في كلّ الاستحقاقات؟ وكيف سيتعاملون مع بعض الأحزاب التقليدية التي باتت تصنّف نفسها معهم "أكثرية جديدة" في المجلس، وعلى رأسها حزبا "القوات" و"الكتائب"؟ وما صحّة الحديث عن "تباينات" فيما بينهم على ذلك، أخّرت وتؤخّر تشكيل "كتلة التغيير"؟!

ليس سرًا أنّ نواب "التغيير" أضحوا، منذ وصولهم إلى البرلمان "قبلة الأنظار"، بالنسبة لأنصار الأحزاب التقليدية قبل خصومها، ممّن باتوا "يراقبون" أداء هؤلاء النواب الجُدُد، قبل من يفترض بهم تمثيلهم، فيسائلونهم مثلاً بسبب عدم التحرك رفضًا لارتفاع أسعار الاتصالات، بل يحمّلونهم مسؤولية الارتفاع "الجنوني" لسعر الدولار، فيما نوابهم "المواكبون" لأزمة انهيار سعر الصرف منذ بدايتها، يتفرّجون وهم صامتون.

وليس سرًا أيضًا أنّ هناك في المقابل من سعى في الأيام الأخيرة إلى "اجتذاب" كتلة "التغييريين" لتكون جزءًا من "أكثرية جديدة" في مجلس النواب، في مواجهة "حزب الله" وسلاحه بالدرجة الأولى، ويتربّع على صدر هؤلاء حزب "القوات اللبنانية" الذي أوحى رئيسه سمير جعجع، في أكثر من مناسبة، أنّ تحالفه مع "التغييرين" في مجلس النواب "تحصيل حاصل"، في ظلّ "التقاطع" على العناوين الكبرى، متجاهلاً حقيقة أنّهم يصنّفون حزبه ضمن "المنظومة".

وقد وصل حجم "الاستمالة القواتية" لنواب "التغيير" لحدّ إعلان "القوات" انفتاحها على أيّ مرشح يختارونه لمنصب نائب رئيس المجلس، ولو أنّ لديها مرشحها "الطبيعي" للمنصب وهو النائب غسان حاصباني، حيث أكّد جعجع قبوله "المشروط" بمرشح "التغيير" ملحم خلف، علمًا أنّ الأخير يصرّ، على الأقلّ في التصريحات الإعلامية، على أنّه لم يطرح نفسه مرشحًا، وأنّه ليس ساعيًا أساسًا لأيّ منصب أو مركز في إطار أيّ صفقة أو مقايضة.

ولا يبدو حزب "الكتائب" بعيدًا بدوره عن منطق "استمالة" التغييريين، ولو أنّه ينطلق من خوضه الانتخابات أساسًا إلى جانب بعض وجوه المجتمع المدني، ودعمه لوائحه في العديد من المناطق، بخلاف "القوات" التي وضعت نفسها في خانة "الخصومة" معهم، ودعت للمقاطعة بدل انتخابهم حيث لم تخض السباق، كما في دائرة الجنوب الثالثة مثلاً، وهو يعتبر انطلاقًا من ذلك، أنّه بات "جزءًا" منهم، ولم يعد مشمولاً بالتالي بشعار "كلن يعني كلن" الموجَّه للمنظومة.

إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام حول كيفية "تلقّف" النواب الجدُد لكلّ هذه "الضغوط"، ولا سيما أنّ التحديات الكبرى والاستحقاقات الداهمة التي تنتظرهم، لن تترك مجالاً واسعًا لـ"الرمادية"، ما يعني أنّ "التقاطع" بينهم وبين بعض القوى والأحزاب السياسية قد يصبح أمرًا بديهيًا، وهو ما ينتظره كثيرون أساسًا للحكم عليهم، ووضعهم في خانة محدّدة، فهل يبدون جاهزين لمثل هذا "السيناريو"؟.

حتى الآن، لا يبدو أنّ هناك إجابات "شافية" على ذلك، ولو أنّ هناك من يغمز من قناة "تباين ما" بين النواب "التغييريين" على هذه النقطة بالتحديد لتبرير "التأخير" في ولادة تكتّلهم المنتظر، باعتبار أنّهم في النهاية "أفراد مستقلّون" لكلّ منهم رأيه ووجهة نظره، ومعظمهم يريد التمسّك بهذه "الميزة"، بدل أن يصبح "أسير" تكتّل سياسيّ جديد، ولو كان "يشبهه" في العناوين الكبرى والمفصليّة.

لكن، رغم الحديث عن "تباين" في هذا السياق، لا يزال معظم هؤلاء النواب يكرّرون "ثابتة" أنّهم لا يمكن أن ينتخبوا أيًا من "رموز المنظومة"، أو أن يتحالفوا مع أيّ من القوى التقليديّة التي شاركت في الحكم سابقًا، بمُعزَل عن مواقفها الراهنة، علمًا أنّ بعضًا ممّن أعلنوا هذا الموقف، تعرّضوا بدورهم لبعض "الحملات" التي وصلت لحدّ تصويرهم على أنّهم "موالون لحزب الله" لأنهم يرفضون "مدّ اليد" إلى خصومه.

في المقابل، يؤكد هؤلاء أنّ "التقاطع" في الأمور التشريعية، مع قوى وأحزاب متباينة، لا بدّ أن يحصل، وإلا لا فائدة مرجوّة من وجودهم في البرلمان، فهم إذا أرادوا إيصال تشريعات وقوانين تخدم الناس، لا بدّ أن "يحشدوا" دعمًا من سائر القوى والكتل، لكنّهم يشيرون إلى أنّ هذا "التلاقي" سيكون بناءً على ملفات محدّدة، ولن يرقى لمستوى "التحالف الكامل"، لأنّهم يدركون سلفًا أنّ ذلك سيُعَدّ "خطيئة" ستُسجَّل عليهم تلقائيًا.

في النهاية، قد يكون مفهومًا أن تسلَّط الأضواء على نواب "التغيير"، كما أن يسعى الجميع لاستمالتهم واجتذابهم، في ظلّ حديث عن تشكيلهم "بيضة القبان" الجديدة في البرلمان، لكنّ الأكيد أنّ "هامشًا" من الوقت يجب أن يُمنَح لهؤلاء حتى "يستوعبوا" بالحدّ الأدنى "حدود" الدور الذي يمكن أن يقوموا به في المرحلة المقبلة، بدل "محاربتهم" كلما نطقوا بحرف، أو حتى لم ينطقوا، من دون أن يكون أسبوع واحد قد مضى بعد على بدء ولايتهم!.