منذ ما قبل ​الإنتخابات النيابية​، كان الجميع يسأل عن موعد التسوية القادرة على إعادة تحريك الحياة السياسية، الأمر الذي تأكد بعد النتائج التي أفرزتها صناديق الإقتراع، لكن حتى الآن هناك من لا يزال يكابر معتقداً أن الحلول من الممكن أن تكون سهلة.

في هذا السياق، بات من الممكن الحديث عن 3 كتل أساسية في ​المجلس النيابي​ الجديد، لا يملكون القدرة على تكوين أكثريّة، بينما هناك صعوبة في إبرام تفاهمات تجمع بين كتلتين، لإنجاز الإستحقاقات الضرورية، خصوصاً على مستوى السلطة التنفيذية.

من حيث المبدأ، قد يكون من الممكن تجاوز الإستحقاقات البرلمانية، إنتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب، لكن ماذا عن الحكومة المنتظرة؟ لا يملك تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" وحيداً القدرة على ضمان فوز أيّ حكومة قد يذهب إليه، في حال نجح في تمرير إستحقاق تسمية رئيس الحكومة المكلف، بالأكثرية اللازمة لنيل الثقة، والأمر نفسه ينطبق على تحالف حزب "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدّمي الإشتراكي"، وأيضاً على أي تحالف بين النواب التغييريين والمستقلين.

في هذا الإطار، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن هناك من يعمم من ضمن التكتل الثاني، خصوصاً من جانب "القوات"، أن هناك قدرة على تشكيل حكومة أكثريّة، بالتحالف مع التكتل الثالث، لكن هؤلاء يتجاهلون معادلتين أساسيتين: الأولى هي التمثيل الشيعي في ظلّ فوز "حزب الله" و"حركة أمل" بجميع المقاعد النيابية، أما الثّانية فهي الحاجة إلى توقيع رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ على أيّ تشكيلة حكوميّة كي تبصر النور.

من وجهة نظر هذه المصادر، من غير الوارد أن يذهب عون، في حال حصول التفاهم المذكور في الأعلى، على توقيع أيّ صيغة حكومية لا تحظى بموافقة "حزب الله" و"التّيار الوطني الحر"، لا سيما أن أيّ حكومة تولد، قبل نهاية ولايته، من المفترض أن تتسلّم هي صلاحيّات رئيس الجمهورية في حال الوصول إلى فراغ على مستوى الرئاسة الأولى، الأمر الذي من المرجح أن يحصل في ظلّ حالة الشرذمة الموجودة في المجلس النيابي.

ما تقدّم، يعني عودة الأمور إلى المربّع الأول، أيّ الحاجة إلى تسوية بين مختلف الأفرقاء، في حين أن غالبيتهم مصرّ على الخطابات التصعيديّة التي تؤكّد صعوبة تحقيق هذا الأمر في وقت قريب، بينما في المقابل تتصاعد حدّة مختلف الأزمات، التي قد يكون سعر صرف الدولار في السوق السوداء هو المعبر الأصدق عنها.

بالنسبة إلى المصادر المتابعة، الحلّ الطبيعي هو تواضع القوى السّياسية لإنجاز سّلة من التفاهمات قادرة على الحدّ من النزيف القائم، خصوصاً أن أيًّا منها غير قادر على فرض وجهة نظره أو تطبيق البرنامج الذي يراه مناسباً، إلاّ أنّها تعرب عن أسفها لأنّ هذا الأمر غير ممكن في الوقت الراهن، الأمر الذي يدفعها للحديث عن أن ما يحصل من تصاعد في الأزمات، قد يكون الهدف منه الضغط لدفع أفرقاء محدّدين إلى تقديم تنازلات.

في قراءة المصادر نفسها، الظروف الإقليميّة والدولية الحالية لا تساعد على تقديم أيّ مبادرة خارجية تمهد للوصول إلى تسوية محلية، بالرغم من تشديدها على أن الجانب الفرنسي لا يزال يبحث تحقيق ذلك في وقت قريب، نظراً إلى وجود مجموعة من الملفّات العالقة التي تدفع جميع اللاعبين المؤثرين إلى التروي، وهو ما يظهر بشكل لافت من خلال المواقف التي يعبر عنها الجانب السعودي، بعد الاستحقاق الانتخابي، على سبيل المثال.

في المحصّلة، الفترة الفاصلة عن الإنتهاء من الإستحقاق الإنتخابي كان من المفروض أن تكون كافية، في ظلّ الأوضاع التي تمر بها البلاد، للإنتهاء من كافة الإستحقاقات الدستوريّة والإنصراف إلى العمل المجدي الذي يخفّف من حدّة الأزمات التي يعاني منها جميع المواطنين، لكن ذلك يتطلب أن يدرك الجميع، في ظل التوازنات الحاليّة، أنّ المطلوب تنازلات متبادلة بدل الإصرار على إنتظار ما سيأتي من الخارج، لا سيما أنّ عامل الوقت غير مساعد على الإطلاق.