كان غريباً توقيت فتح المواجهة بين رئيس حكومة تصريف الاعمال ​نجيب ميقاتي​ والنائب ​جبران باسيل​، فالمرحلة لا تتطلب مثل هذه المعركة في هذا الوقت، بغض النظر عمّن بدأ (في ظل اتهام كل منهما للآخر بأنه هو من اطلق الرصاصة الاولى)، لان المؤشرات كلها تشير الى ان حكومة تصريف الاعمال باقية، باقية، باقية حتى اشعار آخر وربما ستستمر الى "ما بعد بعد" انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​. واختير لهذه المعركة ساحة، هي ساحة ​الكهرباء​ التي كان من المرتقب ان تستقبل المعارك وتحديداً تلك بين ميقاتي وباسيل، انما ليس في هذا الوقت، اذا ما اخذنا بالاعتبار كل المواقف والتصريحات التي صدرت عن الطرفين منذ ​تشكيل الحكومة​ وحتى الامس القريب.

شدّ الحبال يسود والاجواء غير هادئة، لا بل تتحضر الى المزيد من التوتر والمواقف التصعيديّة التي، كالعادة لن تحسم النتيجة اياً كان صاحب الحق، لان النتائج في لبنان سياسية ولا ترتبط بالحقائق والوقائع والمصلحة العامة، وسرعان ما سيطوى الملف من الناحية العملية لتبقى نتائجه السياسية حاضرة الى حين وقت "تذويبها" في تسوية ما. وبما ان السياسة هي الحكم في مثل هذه القضايا، اعتبرت مصادر سياسية ان باسيل قد يكون الطرف الاضعف في هذه المواجهة، فمن الناحية العمليّة، باتت الحكومة مستقيلة وفي مرحلة تصريف الاعمال، ولا يمكن لرئيس التيار الوطني الحر الضغط على رئيس الحكومة المستقيلة في ملفات ومشاريع تحتاج الى موافقة الحكومة، بل ينحصر الضغط على ورقة عدم تسميته وهو الذي لم يخض ​الانتخابات النيابية​ ليصبح خارج الصورة السياسية الرسمية. في هذا المجال، تسأل المصادر عما يستند اليه باسيل او يخبّئه في هذه المعركة، فالانتخابات النيابية اضعفت الجميع (وهو منهم) ولو بنسب معيّنة، واذا اراد اختيار شخصيّة سنيّة لتولّي تشكيل الحكومة، فعليه اخذ اعتبارات عدّة ليس من السهل تلبيتها، ومنها على سبيل المثال: التآلف مع رئيس الجمهورية وهو امر حاصل حالياً لان التناغم بين ميقاتي وعون يسير بشكل جيد باعتراف الطرفين، والمشكلة هي مع باسيل وليست مع الرئيس. الاعتبار الثاني هو اختيار شخصيّة قادرة على ارضاء الاطراف الآخرين من دون استفزازها، وفي هذه النقطة تحديداً هناك مشكلة بالغة الاهمّية لان غياب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن الحياة السياسية القى بالكثير من التعقيدات في هذا الملفّ بعد ان سُحب الموضوع من يد مرجعيّة واحدة ووُضع في يد اطراف عدة، فقد اظهر الحريري انه لا يزال يملك حضوراً لدى الشارع السنّي، كما أنّ الهوى السعودي هو للطرف المسيحي الآخر الذي يختلف معه باسيل بشدّة (ايّ القوّات اللبنانية)، فيما الشخصيّات السنّية الباقية لن تقدم على التحالف التام مع باسيل في ظلّ المعطيات المذكورة، ناهيك عن عدم وجود أيّ ضمانة بحصولها على تأييد القوى الاخرى ومنها الثنائي الشيعي.

اضافة الى ذلك، لا يزال ميقاتي، حسب المصادر نفسها، يتمتّع برصيد اقليمي ودولي اكبر من شخصيّات اخرى من طائفته، وهو ما يعوّل عليه للعودة الى السراي الكبير، وسيكون من الصعب اختيار بديل يحظى برضى هذه القوى في الوقت الراهن.

وترى المصادر ان هناك نقطة اخرى لا تصب في خانة باسيل، وهي انه في مرحلة تصريف الاعمال، وفي ظلّ الخصومة السّياسية بينه وبين ميقاتي، قد يمتنع الاخير عن التوقيع على مسائل تدخل في خانة تصريف الاعمال ويرغب بها رئيس التيار الوطني الحرّ، ما من شأنه ان يحرج باسيل امام تيّاره ومؤيّديه.

لذلك، توقعت المصادر ان تنتهي هذه المعركة، كما العادة، بتسوية ما يبقى توقيتها غير معروف، تسحب الجميع من ساحة الكهرباء وتعيدهم الى ساحة المصالح، مع اشارتها (اي المصادر) الى ان لدى باسيل القدرة على الخروج من المشاكل بأقلّ قدر ممكن من الخسائر، ولذلك تترقب ما سيقدم عليه من خطوات في هذه المواجهة.