اشارت صحيفة "الاخبار" الى انه بتوقيتٍ ولغة ابتزاز واضحة، حمل مبعوث الاتحاد الأوروبي سفين كوبمانز طرحاً غربياً للبنان ومقاومته للانخراط في عمليّة "سلام" مع العدوّ الإسرائيلي تحت مسمّى الحل النهائي. في مقابل التطبيع والتنازل عن الحقوق، يقدم الأوروبيون للبنانيين مغريات الخبز والدواء والكهرباء، وللمقاومة اللبنانية امتيازات واسعة في النظام الجديد.

اختصر رئيس الجمهورية ميشال عون موقف لبنان الرسمي بـ"دعم لبنان أي تحرّك أوروبي لإحياء عملية ​السلام​ انطلاقاً من مبادرة قمة بيروت"، من دون أن يظهر إلى العلن موقف لبناني يشرح كلام عون أو يتناول "عروضات المندوب السامي" الأوروبي.

إلّا أن كل المصادر المتقاطعة تؤكّد لـ"الأخبار" بأن كوبمانز تحدّث بشكل واضح عن سعي أوروبي لإجراء مفاوضات بين العدو الإسرائيلي والعديد من الدول و"الجهات" العربية التي لا تزال تتمسّك بموقفها من الصراع، ومنها لبنان والمقاومة فيه، وعن نيّة أوروبيّة مدعومة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، للوصول إلى "حلّ نهائي" خلال السنوات القليلة المقبلة.

وعلى ما تقول مصادر "الأخبار"، فإن كوبمانز أكّد انطلاق الاتحاد الأوروبي من تضمين الحلّ النهائي "الدولتين" والقدس عاصمة للدولتين (شرقية وغربية) مع "حرية ممارسة الشعائر الدينية والحفاظ على التعايش الديني"، و"معالجة أزمة اللاجئين وفق ترتيبات الحل الدائم في عملية السلام".

ومن بين المغريات، يؤكّد الموفد الأوروبي أن "عمليّة السلام تحلّ مشكلة الطاقة في لبنان بشكل نهائي، وتسمح للبنانيين بإنتاج الكهرباء واستثمار الموارد النفطية والغازية بشكل سليم"، وأن "لبنان قد ينضم سريعاً إلى كونسورتيوم إقليمي يضم مصر والإمارات وقبرص واليونان وإسرائيل ودولاً أخرى، ما يساعد على استقدام الاستثمارات وإنعاش الاقتصاد".

لا تقف المغريات عند هذا الحدّ، فعدا عن محاولاته تشجيع الدولة اللبنانية على الدخول في عملية تفاوضية مع العدوّ، عمل الموفد على تقديم مغريات خاصّة بحزب الله وبحركات المقاومة في فلسطين. مثلاً عرض كوبمانز إجراء ترتيبات أمنية بين المقاومة اللبنانية والعدو الإسرائيلي على الحدود مع فلسطين، وحفظ حصّة "وازنة" جداً للمقاومة في النظام اللبناني الجديد تضمن امتيازات واسعة لـ"الشيعة" في لبنان، مع تعهدات بإعمار غزة ودعمها اقتصادياً لتتحوّل إلى "دبي جديدة"، على ما تنقل مصادر "الأخبار".

وحول خريطة الطريق للوصول إلى التفاوض، اكّد الموفد الغربي بأن "الاتحاد الأوروبي جاهز لترتيب خطوات ما قبل التفاوض، وإجراءات بناء الثقة للوصول إلى مفاوضات إيجابية وبناءة بين القوى المتصارعة في المنطقة"، مع تأكيد على نية الاتحاد الأوروبي "السعي مع إيران والجزائر وكل الدول والجهات المعادية لإسرائيل، لفتح خطوط التفاوض والوصول إلى الحلول".

ويمكن الاستنتاج من طرح كوبمانز، السعي الأوروبي الواضح لفصل المسار اللبناني عن المسار السوري في أي مفاوضات مطروحة، للاستفراد بلبنان وسوريا معاً، وطي صفحة "تلازم المسار والمصير" نهائياً. وهذا الأمر، تكشفه أيضاً المساعي الفرنسية المستمرة لعرقلة أي تقدّم في العلاقات الرسمية بين بيروت ودمشق.

المستقلون

وفي مشهد لم يعتده اللبنانيون، خاصة في السنوات الماضية، يحتل نواب "مستقلون"، لا ينتمون لأي حزب، عدداً كبيراً من المقاعد النيابية بعدما كانت الأحزاب التقليدية تبسط سيطرتها على المقاعد الـ128، فإذا كان عدد نواب "التغيير" أو ما يُعرف بـ"المجتمع المدني" خرقوا بنحو 14 مقعداً، فإن عدد المستقلين يتجاوز الـ24.

وبخلاف "التغييريين" الذين يسعون للتكتل في إطار تنظيمي واحد باعتبار أن أجنداتهم ومشروعاتهم متقاربة ومنسجمة تماماً، لا يمكن التعاطي مع "المستقلين" ككتلة واحدة، باعتبار أنهم ينقسمون بين ما يُعرف بـ"السياديين" الذي يعارضون "حزب الله" ومشروعه، وبين مقربين من الحزب وأفكاره.

وبات النواب الذين كانوا ينتمون إلى تيار "المستقبل" وخاضوا الانتخابات خلافاً لإرادة رئيسه سعد الحريري الذي قرر تجميد عمله السياسي، ينضوون في إطار النواب "المستقلين"، وأبرزهم وليد البعريني، ومحمد سليمان، يُضاف إليهم نواب ذوو توجهات مختلفة. وهم كريم كبّارة، أحمد الخير، عبد العزيز الصمد، بلال الحشيمي، نبيل بدر، عبد الرحمن البزري، أسامة سعد، إيهاب مطر، فؤاد مخزومي، فريد هيكل الخازن، وليم طوق، غسان سكاف، سجيع عطية، ميشال معوّض، أديب عبد المسيح، نعمة أفرام، جميل عبود، جميل السيد، جان طالوزيان، أشرف ريفي، فراس السلوم، طه ناجي، جهاد الصمد.

وقد بدأ هؤلاء العمل على تجميع أنفسهم في إطار كتل نيابية لعلمهم أن النائب المستقل يكون غير فعّال إذا لم ينضوِ في تكتل يضم نواباً يشاركونه الرؤى والأجندات السياسية والاقتصادية.

ولعل أول كتلة أنشأها مستقلون هي كتلة "إنماء عكار" التي ضمت البعريني إلى سليمان وعطية، فيما يعمل آخرون على إنشاء تكتل يضم "الكتائب" ورئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض والنواب نعمة أفرام وميشال ضاهر وفؤاد مخزومي وغيرهم. واكد معوض أن "العمل يتم ليل نهار لتوحيد جهود المعارضة وإنشاء أكبر تكتل نيابي ممكن للقوى السيادية والإصلاحية ولخلق جسور مع كل مكونات المعارضة فلا يكون العمل النيابي فردياً"، لافتاً في تصريح لـ"الشرق الأوسط" إلى "وجود قناة تواصل مع النواب (التغييريين)، والعمل جارٍ على إيجاد صيغة تحافظ على خصوصية الجميع".

واوضح معوض: "نحن نعتبر أيضاً أنه يجب أن تكون هناك جسور وتواصل مع حزب القوات اللبنانية"، مشدداً على أنه "لا يمكن خوض المعركة السيادية من دون المعركة الإصلاحية والعكس صحيح لأن الإصلاح دون سيادة وهم، كما أن السيادة دون إصلاح تعيد إنتاج تجربة (14 آذار) بشقها المخيب، لذلك سنجتمع مع كل السياديين في المعارك السيادية ومع كل الإصلاحيين في المعارك الإصلاحية".

من جهته، كشف النائب أسامة سعد عن "العمل من أجل قيام تكتل نيابي يضم من يحملون توجهات انتفاضة "17 تشرين"، ويعملون من أجل التغيير، على أن يكون هذا التكتل في موقع المواجهة للقوى والأحزاب السلطوية والطائفية، سواء الموالية أو المعارضة".

واشار سعد في تصريح لـ"الشرق الأوسط" إلى أن نواب هذا التكتل سيرفعون "عناوين أساسية، أبرزها الانتماء الوطني اللبناني مع رفض الطائفية، تحميل القوى والأحزاب التي تداولت الحكم، على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة المسؤولية عن الانهيارات الكبرى التي حلت بلبنان، الدعوة إلى التغيير السياسي، محاسبة هؤلاء الحكام سياسياً، (محاسبة كل الفاسدين قضائياً)، مع السعي لاستعادة الأموال المنهوبة، العمل من أجل إنقاذ لبنان من الانهيار من خلال التغيير السياسي، وتوفير العدالة الاجتماعية، وبناء الاقتصاد المنتج والمتوازن، وبناء الدولة المدنية القوية والسيدة والعادلة، واعتماد ​سياسة​ دفاعية ترتكز على تعزيز الجيش اللبناني، وسياسة خارجية تنطلق من انتماء لبنان العربي ومصالحه في مختلف المجالات، بعيداً عن المحاور الإقليمية والدولية".