إنتابني قلق بعد أنْ أْعْلِنَتْ نتيجة الإنتخابات الأخيرة تزامنًا مع خبر أوّلي أكّدته الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية، أنّ نسبة المقاطعين بلغتْ حوالي 59% مقابل مشاركة وصلتْ إلى حد 41%. تواصلتُ مع مستشاري السياسي لأستفسر منه حقيقة الأمر وهل النِسَب هي صادقة أو مُبالغ فيها؟ وكنتُ على يقين أنه سيطلب منّي التريُّثْ ريثما تصدر النتائج الرسميّة بشكل ممنهج، أي بعد صدورها رسميًا عن جانب وزير الداخلية اللبنانية وبشكل نهائي. عَمِلْتُ بمضمون الإستشارة كونها موضوعية وقانونية لأتفاجأ بأنْ موضوع النِسَبْ كُرِّسَ رسميًا من قبل الجهات المختصة. يا للعار أنْ يكون هناك مقاطعة عارمة يُقابلها إعتزاز من قبل البعض بالأعداد المُحصّلة نتيجة النهار الإنتخابي وكمْ بلغ عدد نوّابه .

قرأتُ كتابًا سياسيًا تضمّن شرحًا يسيرًا عن واقع الشعوب المهمّشة ثقافيًا وتحديدًا على المستوى السياسي، والكاتب يقول أنّ من يصنع الدمار والخراب الفكري في أي بلد هو الشعب اللامبالي والمنحاز إلى زعامات تستّغِّلّه إلى أقصى الحدود، وهذه آفة تضرب العديد من الشعوب، ومنها للأسف الشعب اللبناني المنقسم على ذاته. كم من إتصال وردني إلى هنا في أرض الغربة من وطني الحبيب ومن شعبي المجروح طالبًا أمرًا طارئًا ما، وكم تضمّنتْ تلك الإتصالات سبابًا وكلامًا معسولاً وتوصيفًا اخجل من ذكره وحتى أخجل من ذكر ما وردني من وثائق تُدين أطرافًا لبنانية في أمور شتّى، وكم أتاني ضيوفًا من علمانيين وروحيين يتهمّون الحُكّام بأنهم سبَب كل الخراب والهدر في لبنان وعدم إنتظام النظام الديمقراطي .

إنّ صناعة خراب البلد يا سادة هي من إختصاصكم أنتم، لذا لا تلوموا لا الشرق ولا الغرب ولا تلوموا حُكّامكم على طغيانهم ولكن لوموا أنفسكم، وليكُن في علمكم أنّ أي حاكم ظالم ليس إلاّ نتاج شعب صنعه بنفسه. يا للخجل شعب لبنان يتلّقى كل أنواع الضربات المُهينة والمُذلّة من إنعدام وسائل الطبابة والإتصالات والمواصلات والدواء والسيولة والأمن والأمان، ويواجه الظلم والقتل والجوع والبطالة والخيانة والعمالة، وموت الضمير ومحاربة الوطنيّة والنخوة وبمزيد من طمس الحقائق وإنتهاك السيادة وإستشراء الجريمة وتفّشي ظاهرة المخدرات والجهل، حيث يُحرم الجيل الناشئ من المدارس، إضافةً إلى هجرة منّظمة، ورأيناه يذهب بإرادته للتجديد لأشخاص كانوا هم السبب في ظلاميته، حقًا إنه شعب ...

أسأل شعبي ألا تُدرِكْ أنّ نتيجة الإنتخابات هي بلاء الوطن وبلاؤكم؟ ألا تعلم أيُّها الشعب لو أنّ أحدًا اهانكَ مرةً وسكتَّ عن ذلك الأمر فحتمًا سيقّلُ قدركَ في نظره، ولو أهانك ثانيةً وسكتَّ فسيستهين بك، وعندما يهينُك للمرة الثالثة وتَسْكُتْ حينها لن يُقيم لحضورك وزنًا، وسيعلم أنّ خضوعكَ له من الواجبات وسيواصل إهاناته لك وسيُطوّر الطرق لفعل ذلك مرارًا وتكرارًا.

أيُّها الشعب... لقد أهنتَ نفسكَ وصادرتَ كرامتكَ وعزّتكَ وعرضِكَ، وإستخففت بحضورك الحُر ، وأنت كتبت ورقة نعيكَ طوعًا وتنتظر دفن جثتكَ المهترئة... وتتجاهل فعلتكَ الشنيعة. إعلمْ أنكَ أنتَ من أذنتَ بواقعك هذا وصنعت بيدك مصيرك الأسود، ألم تلاحظ الإرتفاع الجنوني لسعر الدولار والّذي يترافق مع كوى الأسعار؟ ألم تُلاحظ أنكَ بدون عمل؟ ألم تُلاحظ أنك عاطل عن التفكير السليم؟ (عفوًا منكم)، ولكن طفح الكيل .

هل بإمكانكَ أيُّها الشعب إستعادة كرامتكِ بعد؟ ألا تُدركْ أنّ الثمن سيكون باهظًا؟ ألم تعرف أنّ إستعادة حقوقكَ حاليًا هي من رابع المستحيلات؟ ألا تعلم أنّ هناك مجتمعًا يُراقب أفعالك ونهجكَ الإنحداري؟ ألا تخجل؟ ألا يؤنّبكَ ضميرك أمام تضحية الشرفاء؟ ألا تخجل عندما تسمع خطبهم المُزيّفة؟ ألم تُلاحظ لقاءاتهم وإجتماعاتهم التي أفضتْ إلى مصادرتك؟ إنكَ شعب جنيّتَ على نفسك وعلى وطنكَ وسمحت بدهسِ كرامتكَ... ولن يكون هناك من أحد بإستطاعته مساعدتك إلاّ رب العالمين طالبًا منه: اغفر لي يا أبتاه .

*سفير الجمعية العالمية لحقوق الإنسان، الموّدة