كما كان متوقَّعًا، لم تكد الانتخابات النيابية تنتهي وتفرز "خريطة جديدة" لمجلس النواب، "احتفى" بها البعض، بعدما برز "نَفَس تغييريّ" على خطّها، و"احتاط" منها البعض الآخر، بعدما "سقطت" الأكثرية لصالح "أقليات" غير متجانسة، حتى انطلق مسلسل "الانهيار" بموسمه الجديد، واعدًا اللبنانيين بـ"مفاجآت مشوّقة" لم يسبق أن شاهدوها.

لعلّ "أول الغيث" تمثّل بـ"التحليق الجنوني" لسعر الدولار الذي حقّق "قفزات نوعية" في مدّة زمنية قصيرة، مسجّلاً المزيد من الأرقام "القياسية" وغير المسبوقة في تاريخ لبنان، وذلك بعد طول ثبات "وهمي" في مرحلة ما قبل الانتخابات، أريد منها "تخدير" الرأي العام بشكل أو بآخر، على أن تستمرّ "موجة" رفع الأسعار في كلّ القطاعات، بدءًا من الاتصالات.

يحدث كلّ ذلك فيما البرلمانيون الذين انتخبهم الشعب لتمثيله، وتفادي السقوط في فخّ "الانهيار" الكبير، منشغلون بتسجيل النقاط على بعضهم البعض عشيّة "الجلسة المفصليّة" التي دعا إليها رئيس "السنّ" نبيه بري أخيرًا يوم الثلاثاء، والتي "يضمن" أن يعود بموجبها رئيسًا "أصيلاً" للبرلمان، ولو بالرصيد "الأدنى" من الأصوات في مسيرته، الممتدة منذ الطائف.

وفي وقت يكثر الحديث عن "سيناريوهات" جلسة الثلاثاء، وما يمكن أن يحمله من "مفاجآت"، سواء على صعيد عدد الأصوات التي سيحصدها بري، أو على صعيد "المعركة" على موقع نائبه، ثمّة أسئلة تُطرَح عن "مآلات" كلّ ذلك على الواقع العام، خصوصًا في ظلّ استحقاقات وتحديات كبرى تنتظر المجلس، الذي يبدو، حتى الآن، "أعجز" من مواجهتها.

بهذا المعنى، قد تكون جلسة الثلاثاء المُرتقَبة حاسمة ومفصلية بالفعل، ليس لجهة من سيشغل موقع رئيس البرلمان، وهو "المحتكَر" منذ أكثر من ستّ دورات، في ظلّ وجود "مرشح وحيد" لا ثاني له، ولا حتى لجهة من سيشغل موقع نائبه، حيث لا يزال "الغموض" سيد الموقف، باعتبار أنّ لكلّ كتلة "مرشحها"، إن جاز التعبير، ولو أنّ البعض "يتريّث" في بلورة موقفه، بانتظار "نضوج" اتصالات ربع الساعة الأخيرة، وما قد تحمله من توافقات لا بدّ منها.

وفي هذا السياق، يمكن أن يُفهَم "حرص" بري على الدعوة إلى انعقاد الجلسة، قبل انقضاء المهلة المنصوص عليها في القانون، رغم اعتباره أنها مهلة "حثّ" لا "إسقاط"، من باب رغبته في دفع الكتل نحو "التفكير جديًا" بمقاربتها للجلسة، بعيدًا عن "منطق" الابتزاز الذي اعتمدته في الآونة الأخيرة، وربما دفعها إلى "أخذ زمام المبادرة" للتفاوض مع النواب على "مقايضة ما"، تتيح تسجيل "انتصار ما"، إن جاز التعبير.

لكن، بعيدًا عن كلّ هذه التفاصيل التي تبدو "هامشية" بالنظر إلى أحوال البلد "الكارثيّة"، ثمّة من يعتبر أنّ جلسة الثلاثاء ستكون حاسمة ومفصليّة، لجهة بلورة "الخريطة الحقيقية" للبرلمان الجديد، وبالتالي حسم "تموضعات" مختلف الأفرقاء، ومدى إمكان حصول "تقاطع" فيما بينهم، علمًا أنّ نواب "التغيير" لا يزالون في طور بحث تشكيل "تكتّل" يجمعهم، فيما أعين كتل أخرى، مثل "القوات" و"الكتائب"، منصبّة عليهم، لفرض "أكثرية جديدة".

وبانتظار جلسة الثلاثاء وما قد تحمله على هذا الصعيد، قد يكون "الثابت الوحيد" الذي لا يحتاج إلى الكثير من "التكهّن" أنّ المرحلة المقبلة ستكون مليئة بـ"التعقيدات"، وأنّ برلمان 2022 بصيغته الحالية، والصورة التي أظهرها الاستحقاق الأول الذي ألقي على عاتقه، قد يشكّل "الوصفة المثالية" للفوضى والشلل، وهو ما يعبّر عن "خشية" تتملّك الكثيرين، ولا سيما في ضوء الاستحقاقات والتحديات الكبرى المُنتظَرة.

وفي هذا السياق، لا يبدو "مبالغة" على الإطلاق القول إنّ هاجس "الفراغ" بدأ يسيطر على تفكير كثيرين، بالنظر إلى الاستحقاقات التي سيكون على مجلس النواب الجديد أن "يتصدّى" لها، بدءًا من تشكيل حكومة جديدة، يبدو واضحًا أنّ "الاستقطاب" بشأنها أكثر من عمودي، وصولاً إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في ظلّ تكهّنات بالجملة عن "مآلات" هذا المسار، خصوصًا إذا ما أتى أوانه من دون تشكيل حكومة "أصيلة" تملأ أيّ فراغ محتمل.

وقبل هذا وذاك، ثمّة مسار أكثر "تعقيدًا" ينتظر مجلس النواب، ربطًا بخطط التعافي المالي، ومشاريع الكابيتال كونترول، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكلّها قضايا "مصيرية" قد تطيح بكلّ شيء، إذا ما أضحت "أسيرة" التجاذبات والاصطفافات السياسية، أو إذا ما قرّر بعض الأفرقاء تكرار تجارب الماضي غير البعيد، لجهة "التعطيل" كلما شعروا بـ"الحرج"، بستار "قانوني" قد يصبح "ميثاقيًا" بامتياز، في ظلّ النظام "الطائفي" الذي لا يزال متصدّرًا رغم كلّ شيء.

وقد يكون "نافرًا" في هذا السياق أنّ هناك من بدأ يقول سلفًا إنّ هذا المجلس لن يصمد لأكثر من عام، وأنّ حلّه قد يصبح ضرورة قصوى عاجلاً أم آجلاً، من أجل الذهاب نحو انتخابات مبكرة، تفرز "أكثرية واضحة"، خصوصًا أنّ كلّ المؤشّرات توحي حتى الآن بـ"استنساخ" السيناريو العراقي، حيث لا يزال "الشلل" هو المسيطر منذ الانتخابات، من دون أن تنجح كل الوساطات في انتخاب رئيس أو تشكيل حكومة.

لن تكون جلسة الثلاثاء، على كلّ الأهمية المعطاة لها، سوى "المقبّلات" على "مائدة" الاستحقاقات التي تنتظر المجلس، لكن قد يكون من المفيد لجميع النواب والكتل أن يدركوا من خلالها حجم "التحديات" الملقاة على عاتقهم، في زمن لن يحظوا فيه بـ"ترف" المناورة، ولا سيما أنّ سلاح "التعطيل" المتوافر بين أيديهم، لن يفضي سوى إلى "جريمة كبرى" بحق الوطن، الذي بات "يحتضر" بشهادة الجميع!.