يُعرّف "صومائيل هاتنجتون وجون نلسون" المُشارَكة السّياسيّة، بأَنّها "ذلك النّشاط الّذي يقوم به المُواطِنون العاديُّون، بقَصد التّأثير في عمليّة صُنع القرار الحُكوميّ، سواء أَكان هذا النّشاط فرديًّا أَم جماعيًّا، مُنظّمًا أَم عفويًّا، مُتواصِلًا أَم متقطّعًا، سلميًّا أَم عنيفًا، شرعيًّا أَم غير شرعيٍّ، فعّالًا أَم غير فعّالٍ".

وعلَيه، يُمكن السُّؤال: كيف تُجرى "عمليّة صُنع القرار الحُكوميّ في لُبنان؟... هل هي وَفق الشقّ النّظريّ؟ أَم ثمّة "هستيريا" مُتماديةٌ تضبط إِيقاعها إِعلاميًّا؟... هو جوابٌ ليْس في حاجةٍ إِلى الكثير مِن التعمُّق في التّفكير قبل الوصول إِليه!...

فنظريًّا، ولِبُلوغ تلك "المُشاركة"، غالبًا ما يلجأ العُنصر الشّاب إِلى وسائل التّواصُل الاجتماعيّ.

ومواقع التّواصل في هذه الحال، تكون عبارةً عن روابِط إِلكترونيّةٍ تسمح لمُستخدَميها بإِنشاء صفحاتٍ أَو مواقعَ خاصّةٍ بهم، وتمنحهم هذه المواقع القُدرة على التّواصُل مع أَفرقاءٍ يرغب المُستخدِم فعلًا في التّواصُل معها، تجمعُهم هواياتٌ مُشتركةٌ في إِطار منظومةٍ اجتماعيّةٍ الكترونيّةٍ...

كما وتُعرَف أَيضًا الآليّة المُعتمَدة للوصول إِلى "المُشاركة"، بأَنّها قائمة على "خدمةٍ تتركّز في بناء الشّبكات الاجتماعيّة وتعزيزها، لتبادُل الاتّصال بَيْن النّاس الّذين تجمعُهم الاهتمامات نفسها وكذلك الأَنشطة، أَو لمَن يهتمُّون باكتشاف مُيول الآخَرين وأَنشطتهم".

وثمّة تعريفٌ آخر يقول إِنّ "مواقع التّواصُل الاجتماعيّ، هي مجموعةٌ مِن العلاقات بَيْن الأَفراد، والاتّصالات بَيْن هَؤُلاء مُمكن أَن تكون مثلًا علاقات تعاون، صداقة".

وأَمّا الاستفادة مِن مصادر ببليوغرافيّةٍ، فهي بفضل الوسائط الّتي تُسهل سير التّواصُل في شأن مراكز اهتماماتٍ مُشتركةٍ، كما وتسمح في نسج علاقاتٍ، بفضل خدمة الاتّصال المُباشر".

ويُركّز هذا التّعريف على اعتبار مواقع التّواصُل الاجتماعيّ، تُسهّل التّواصُل مع الأَشخاص الّذين يحملون اهتماماتٍ مُشترَكةٍ بهدف التّعاون. ولكن، مِن أَهمّ عُيوب هذه الوسائل، أَنّها غير قادرةٍ على تلبية الكثير مِن الاحتياجات الطبيعيّة للبشر، فالنّاس في حاجةٍ إِلى التّعبير عن هواجِسِهم، مشاعِرِهم، عواطِفِهم وانفعالاتِهِم، في شكلٍ مُباشرٍ وطبيعيٍّ، وهذا ما تعجز عن توفيره منصّات التّواصُل الاجتماعيّ في شكلٍ دقيقٍ، وبخاصّةٍ إِذا لم تَكُن وسائل التّواصُل تلك مرئيّةً أَو مسموعةً بل كتابيّة...

فالكلام المكتوب يعجز -في كثيرٍ مِن الحالات- عن نقل الصُّورة الحقيقيّة لصاحبه، وقد يكون جامدًا، أَو قد يُعطي الفهم المُعاكس للمُراد منه، كما وقد يوَرّث انطباعاتٍ مُغايرةً لما يُريدها كاتبه، على ما يُؤكّد أَصحاب الاختصاص!.

ومِن العُيوب الكبيرة أَيضًا لهذه "الوَسائل البديلة"، أَنّها لا تُساعد كثيرًا في خلق القيادات المَيْدانيّة، كما وأَنّها لا تُفسح في المجال واسعًا، أَمام تمييز الأَشخاص بعضهم عن البعض الآخر، وفي شكلٍ كبيرٍ: فإِضافةً إِلى الفكر المُتّقد، والمعرفة الواسعة، والخِبرة العمليّة، والتّجربة العميقة، تحتاج السّياسة إِلى تمتُّع مُمارسيها بصفاتٍ شخصيّةٍ أُخرى لا يُمكن إِظهارها إِلّا بتماسٍّ مُباشرٍ مع النّاس، مثل الخطابة والقُدرة على التّأثير في المُستمِعين.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، تُؤَدّي لُغة الجسد، دورًا مُهمًّا في التّأثير في الجُمهور، وهذا مِن نقاط القوّة الّتي يستخدمها السّياسيُّون المُحترِفون، والّتي تحرمهم منها – في شكلٍ أَو في آخر- وسائل الاتّصال البديلة عن اللقاءات المُباشرة.

وعلى رغم أَنّ هذه الأَساليب غير التّقليديّة قد شكّلت عَوْنًا كبيرًا لمُمارسي "العمل الثَّوريّ" على أَصعدةٍ كثيرةٍ، ومِنها السّياسيّ والمدنيّ والإِعلامي، في مُجتمَعات البُلدان الّتي اندلعت فيها الحركات المُطالِبة بالتّغيير، فإِنّها فتحت أَيضًا مجالاتٍ واسعةً لظُهور شخصيّاتٍ غير مُؤهّلةٍ للعمل، أَو غير مُؤهّلة لقيادة بعض النّواحي الّتي كانت سابقًا حكرًا على المُتخصّصين المُؤهَّلين.

وفي هذا الإطار، يُمكن الحديث عن "معايير جديدةٍ" بدأَت تُؤخَذ في الاعتبار، لتَوْظيف الأَشخاص في بعض الوسائل الإِعلاميّة التّقليديّة الّتي ناصرت "ثورات الرّبيع العربيّ"، أَو في مُنظّمات المجتمع المدنيّ الّتي نالت حصّةً كبيرةً مِن الدّعم الدّوليّ. فاعتبارات الخبرة المَيْدانيّة أَو الثّوريّة، أَو الحُضور الواسع على صفحات التّواصُل الاجتماعيّ، والعلاقات الشّخصيّة مع أَصحاب القرار السّياسيّ، تفوّقت في بعض الأَحيان على اعتبارات التّأهيل الأَكاديميّ أَو التخصُّصيّ.

إِنّ المكاتب الإِعلاميّة التّابعة للسّياسيّين في لُبنان، والمُستشارين، وبخاصّةٍ بالنّسبة إِلى النوّاب المُنتخبين الجُدد، في حاجةٍ إِلى الإِلمام في هذه التّفاصيل، كي يتسنّى لمَن يعمَلون معه و"يرفَعون رايته"، أَن يتمكّن مِن التّسويق لفكره السّياسيّ، ولـ"خُطّته الإِنقاذيّة"، ولجعل "الجُمهور" يلتف مُقتنعًا حولَه!...