حذرت منظمة الصحة العالمية، في نهاية شهر نيسان الماضي، من أنّ الزيادة في حالات "الحصبة" في شهري كانون الثاني وشباط من هذا العام، تشكّل علامة مثيرة للقلق حول زيادة خطر انتشار الأمراض التي يمكن منعها باللقاحات، ممّا قد يُطلق حالات تفشٍّ أوسع تؤثر على ملايين الأطفال في العالم عام 2022.

في ​لبنان​، الذي كان يُعتبر من الدول المُتقدّمة على مستوى تحصين الأطفال، وفي ظل استفحال الأزمات فيه، لا بُدّ من دقّ ناقوس الخطر بعدما تراجعت معدّلات تلقيحهم في لبنان بنسبة 30 بالمئة في الأعوام الماضية، حسب أرقام رسمية، وباتوا فيه أمام خطر حقيقي. في هذا الإطار، كشفت رئيسة دائرة الرعاية الصحيّة الأوليّة في ​وزارة الصحة​ العامة الدكتورة رندة حمادة، أنّ "لبنان بات خاليًا من مرض شلل الأطفال للعام السابع عشر على التوالي، وهذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا الوصول إلى نسب تحصين عالية في كافة المناطق اللبنانية".

وأشارت إلى أنّه "بفضل الشراكة القوية مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات طب الأطفال، تمكّنت وزارة الصحة من تأمين لقاحات آمنة وفعّالة وعالية الجودة لكل المناطق، وذلك عبر شبكة وطنية من مراكز الرعاية الصحيّة الأوليّة والمستوصفات".

وقالت: "استطعنا طيلة السنوات الماضية، بالتعاون مع الجمعيات والصليب الأحمر والجيش اللبناني، من مكافحة مرض شلل الأطفال من خلال الوصول إلى كل طفل وتحصينه من المرض الذي تسبّب سابقًا بحالات وفاة كثيرة، بالإضافة إلى حالات الشلل."

ورأت حمادة أنّ "هذه المعطيات هي إثبات لأهمية وفعالية اللقاح بالنسبة لشلل الأطفال، وبالتالي يجب تحقيق النتائج نفسها فيما يتعلّق بالأمراض الأخرى التي يمكن تفاديها عبر التطعيم الروتيني، وبالإمكان الاطّلاع على اللقاحات الأساسية من خلال الروزنامة الوطنية للقاحات".

لُقاحات الأطفال متوفرة مجانًا

رغم الأزمات الصعبة والمتعدّدة التي أصابت لبنان في الأعوام الثلاثة الماضية، وبفضل التعاون مع المنظمات الأممية، لا تزال وزارة الصحة العامة تؤمّن لقاحات الأطفال بشكل مجاني عبر مراكز الرعاية الصحيّة الأوليّة والمستوصفات وعيادات طب الأطفال.

وهنا، كشفت حمادة أنّ "الدولة اللبنانية عبر وزارة الصحة، كانت تؤمّن حوالي 65% من اللقاحات لتطعيم الأطفال عبر القطاع العام، بينما يتكّفل القطاع الخاص بتطعيم 35% منهم؛ ولكن بسبب جائحة كورونا والانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان في الأعوام الماضية، تراجعت نسبة التحصين عبر القطاع الخاص، ممّا زاد الضغط على كاهل الوزارة واضطرّت لتغطية النسبة الأكبر من الأطفال".

وأوضحت أنه "بسبب هذه العوامل المُستجدّة، قمنا في الوزارة بتسليم مجموعة كبيرة من أطباء الأطفال في لبنان اللقاحات مجانًا ليقوموا بالتطعيم في عياداتهم، بهدف تغطية شريحة أوسع".

والجدير ذكره أنّ مراكز الرعاية الصحيّة الأوليّة، وعددها 264 مركزًا، منتشرة في كافة المناطق اللبنانية، ممّا يسهّل على الأهل تلقيح أطفالهم، وهي موزّعة بحسب المحافظات والأقضية على الشكل التالي:

أعداد المراكز بحسب المحافظات والأقضية:

محافظة بيروت: 16

محافظة جبل لبنان: 62 (بعبدا: 25، المتن: 12، الشوف: 12، عاليه: 13)

محافظة كسروان جبيل: 11(كسروان: 7، جبيل: 3)

محافظة الشمال: 42 (طرابلس: 19، زغرتا: 5، بشري: 3، البترون: 1، المنية الضنية: 9، الكورة: 5)

محافظة عكّار: 27

محافظة البقاع: 25 (زحلة: 13، راشيا: 4، البقاع الغربي)

محافظة بعلبك الهرمل:24 (بعلبك: 21، الهرمل: 3)

محافظة الجنوب: 28 (صيدا: 13، جزين: 1، صور: 14)

محافظة النبطية: 29 (النبطية: 6، مرجعيون: 10، حاصبيا: 4، بنت جبيل: 9)

وبالتالي، من خلال هذه الشبكة الواسعة من المراكز، تُصبح عملية التلقيح أسهل، وتكمن أهميّتها في خدمة المناطق المحرومة والمُكتظّة بالنازحين، مع الإشارة إلى الدور الفاعل للمؤسسات الأهليّة بإقامة وإدارة عدد كبير من هذه المراكز.

*تجدون جدول PDF مُرفق في نهاية المقال يتضمّن أسماء وعناوين وأرقام الهواتف لجميع هذه المراكز، وأسماء أطباء الأطفال الذين يقدّمون اللقاح في عياداتهم مجانًا بالتعاون مع وزارة الصحة.

حملات تلقيح دورية

بالإضافة إلى العيادات والمراكز الثابتة، هناك أهميّة كبرى لحملات التلقيح الدورية والمُتنقلة في المناطق اللبنانية، خصوصًا القرى البعيدة أو الجبلية ومخيّمات النازحين، كونها تُعتبر من المجتمعات الضعيفة، مع الأخذ بعين الاعتبار متابعة المُتسرّبين، أي الذين لم يتابعوا برنامج اللقاح رغم حصولهم على جرعات سابقة، وتبلغ نسبتهم 23% بحسب أرقام وزارة الصحة.

وفي هذا الإطار، أشارت حمادة إلى أنّ "وزارة الصحة على تواصل مع وزارة التربية، وأصبحنا نواكب فرق الصليب الأحمر خلال جولاتهم في المدارس لتتبّع المُتسرّبين من التطعيم، كما تقوم مراكز الرعاية من خلال الجمعيات الأهليّة التي تديرها، بحملات تطعيم ضمن نطاقها الجغرافي"، مؤكدةً أنّ "كل هذه الحملات يتم الإعلان عن مواعيدها وعناوينها عبر الإعلام، وهنا لا بُدَّ من دعوة كافة وسائل الإعلام إلى مساعدتنا في الترويج لهذه الحملات".

من جهته، أعلن الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني جورج كتانة أنّ فرق الصليب الأحمر ستنظّم حملات تلقيح مجانية للأطفال حتى نهاية العام الحالي، وذلك بناءً على طلب وزارة الصحة العامة ومنظمة "اليونيسيف"، ضمن مشروع كبير يهدف لتعزيز التحصين الروتيني لدى الأطفال في لبنان.

وأوضح كتانة أنّ "هذه الحملات ستُغطّي مختلف المناطق اللبنانية وستكون عبارة عن جولات تشمل عيادات ثابتة ونقّالة، وسيتم الإعلان عنها وتحديد الأماكن والمواعيد عبر وزارة الصحة، وستتم العملية بإشراف مختصّين وأصحاب خبرة خضعوا لدورات في هذا الشأن".

توعية وتشجيع الأهل

من جهة أخرى، ورغم أنّ المعطيات تشير إلى أنّه خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب الضائقة المالية وتعذّر الوصول إلى المراكز الصحيّة نتيجة وباء كورونا، بالإضافة إلى صعوبة المواصلات وارتفاع كلفتها، انخفضت معدلات تلقيح الاطفال، الّا أنّه لا يُمكن إغفال عامل رئيسي وبارز أدّى إلى هذه النتيجة أيضًا، وهو تراجع الوعي لدى عدد من الأهل حول أهميّة اللقاح وأولويّته بالنسبة إلى صحة أطفالهم، وهنا تكمن أهمية التوعية بكافة الوسائل.

وفي هذا الاطار، شدّدت الدكتورة حمادة على أنّ "هذه الأمراض خطيرة ومعدية، ويُمكن أن تؤدّي إلى الوفاة، وهي تنتقل بسهولة بين الأطفال، وبالتالي من الضروري الوقاية منها وصولًا إلى القضاء عليها من خلال التحصين الروتيني كما حصل في مرض شلل الأطفال".

وأشارت حمادة إلى ضرورة توعية الأهل حول أهمية تحصين أطفالهم باللقاحات، ولا بُدَّ أيضًا من حملات توعية عبر الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، فالإشارة إلى دور اللقاحات بشكل علمي في حماية صحة الأطفال قد تكون دافعًا للعديد من الأهل لزيارة المراكز الصحيّة، وهذا الأمر يُعتبر مسؤولية وطنية وأخلاقية، ومن الضروري مساعدة الوزارة بالتشجيع على التطعيم.

بدورها، أكدّت طبيبة الأطفال ليديا سرحال أنّه في حال لم يتم تدارك الوضع بالنسبة إلى تراجع معدّلات التطعيم في لبنان، فهناك خطر حقيقي بعودة ظهور هذه الأمراض، والتي تخلّص منها لبنان منذ سنوات طويلة، وهو ما حصل في عدد من دول العالم الثالث وبعض الدول التي شهدت حروبًا ونزاعات.

وحذّرت سرحال من التراخي أو الاستخفاف بهذا الموضوع، داعيةً الأهالي إلى اللجوء لمراكز الرعاية الصحيّة الأوليّة التابعة لوزارة الصحة في حال عدم توفّر اللقاحات في عيادات أطباء الأطفال.

وذكّرت سرحال بأنّ لبنان يُعتبر من الدول التي حقّقت نسب تطعيم مرتفعة جداً في العقدين الأخيرين، لِذا بات خاليًا من أمراض عديدة كشلل الأطفال والحصبة، ومن الضروري الحفاظ على هذه المُكتسبات، وعليه لا بُدَّ من حملات توعية شاملة تحثّ على تحصين الأطفال لِما في ذلك من أهميّة كبرى.

من جهته، دعا المدير العام للصليب الأحمر اللبناني الأهالي إلى إدراك أهمية تحصين أطفالهم بمواجهة الأمراض، والتوجّه إلى النقاط التي سيتم تحديدها لاحقًا، وعدم التلكؤ،"لأنّ بقاء الأطفال من دون هذه اللقاحات سيخلق لهم مشاكل صحيّة في المستقبل".

تطبيق مجاني لتلقيح الأطفال

في السياق نفسه، وبهدف مساعدة الأهل ومُقدّمي الرعاية على الاطّلاع على تحصين الأطفال وضمان متابعتهم الدائمة لمواعيد اللقاحات الروتينية الأساسية المُقبلة وفقًا للروزنامة الوطنية للقاحات، وبالتزامن مع الأسبوع العالمي للتحصين (الأسبوع الأخير من شهر نيسان من كل عام)، أطلقت وزارة الصحة العامة بالشراكة مع منظمة "يونيسف" والاتحاد الأوروبي تطبيق "صحتنا"، الذي يوفّر للأهل معلومات موثوقة حول اللقاحات الروتينية، ويساعدهم في متابعة صحة أطفالهم وحمايتها من الأمراض التي تُهدّد حياتهم .

ويقوم التطبيق الذي طوّره وينفّذه "البرنامج الوطني للتحصين" في وزارة الصحة العامة، بإرسال تنبيهات إلى الأهالي لتذكيرهم بمواعيد اللقاحات المُقبلة وقائمة جهات الاتصال مع مراكز الرعاية الصحية الأوليّة الأقرب إليهم.

والجدير ذكره، أنّ التطبيق مُتاح مجّانًا باللغة العربية لجميع أنواع الهواتف الذكيّة، وهو لا يجمع أي معلومات شخصية عن المُستخدمين، وقد تم مسح المحتوى ضمن التطبيق من قبل خبراء منظمة "يونيسف" ووزارة الصحة العامة في لبنان. وهنا يجب تشجيع الأهل ومقدّمي الرعاية على استخدام التطبيق وضمان متابعة مواعيد تطعيم أطفالهم.

في الختام، لا بُدَّ أيضًا من الإشارة إلى وجود أعداد كبيرة من وفيّات الأطفال حول العالم بسبب أمراض كان يُمكن الوقاية منها بواسطة اللقاحات، وفي حين أنّ الصحة هي حقّ لكل طفل، وتزويد الأطفال برعاية صحيّة جيّدة هي ضرورة أخلاقية مهما كانت الظروف المُحيطة بنا، وجب العمل بكافة السُبل لإيصال اللقاحات إلى كل طفل في لبنان، وهذا بطبيعة الحال مسؤولية جماعية ولا تقع على عاتق جهة دون غيرها، وكلّنا أمل أن تعود معدّلات التلقيح في لبنان إلى مستواها المعهود.