لا يُمكن لوسائل التّواصُل الاجتماعيّ، أَن تَكون بديلًا كاملًا عن الإعلام التّقليديّ الّذي درج عليه البشر مُنْذ مئات بل آلاف السّنين، ولكنّه، مع ما سبّبته جائحة كورونا على مُستوى العالم، لا يُمكِن إِلّا أَن يترك أَثرًا بالغًا في المُجتمعات البشريّة، سيظهر آجلًا أَم عاجلًا، وسيجد الكثير مِن المُؤسّسات، حتّى البرلمانات والأَحزاب، أَمامها إِمكانات واسعة تفتحها لها هذه الأَساليب، ومِن المُمكن جدًّا أَن يتحوّل كثيرٌ منها إِلى العمل مِن بُعد، كما هي حال عددٍ لا بأس به مِن المُؤسّسات والشّركات الّتي يعمل قسمٌ كبيرٌ من مُوظّفيها مِن المنزل!.

ويرتبط ذلك -بلا شكٍّ- بالمُقوّمات والبُنى التحتيّة الهائلة الّتي لا بُدّ مِن توفُّرها في دُول المُجتمعات المُختلِفة، فبعض الدُّول يكاد يعجز عن تَوْفير المياه الصّالحة للشّرب أَو الكهرباء، أَو حتّى طُرق المُواصلات بين بعض أَجزائه، فما بالنا بالبنية اللازمة لإِدارة الدَّولة عبر الشّبكة العنكبوتيّة؟. ومع ذلك يكفي -حتّى الآن– برأي أَصحاب الاختصاص، كما وبالنّسبة إِلى كثيرٍ مِن النّاس، أَنّ وسائط التّواصُل الاجتماعيّ، قد خلقَت لهُم فضاءاتٍ واسعةً رحبةً بعيدةً عن أَعيُن ما يُعتَبَر "أَنظمة الاستبداد".

وكذلك تُعدّ مَواقع التّواصُل الاجتماعيّ الظّاهرة الإِعلاميّة الأَبرز في عالم اليَوْم، لكَوْنها تستقطب شريحةً كبيرةً مِن فئات المُجتمَع.

وقد اتّجه إِلى هذه الوسيلة (أَي التّواصل الاجتماعيّ)، مُستخدِمو الشّبكات الاجتماعيّة مُبتعِدين عن مُمارسة المُشاركة السّياسيّة في الحياة الواقعيّة، فهُم لا يشتركون في النّدوات السّياسيّة، ولا يهتمُّون بالانتخابات، سواء أَكانت برلمانيّةً أَم غير ذلك... ولكن مع التطوُّر المُتاح في تكنولوجيا المعلومات والاتّصال، فقد دُفِع المُستخدمون إِلى التّعبير عن آرائهم، مِن خلال الشّبكات الاجتماعيّة، وخير مثال على هذا الكلام، جنوح نسبةٍ كبيرةٍ من المُرشّحين إِلى الانتخابات النّيابيّة في لُبنان في 15 أَيّار 2022، لناحية التّركيز أَكثر، وإِلى حدٍّ كبيرٍ، على وسائل التّواصُل الاجتماعيّ (تويتر – إِنستغرام – فيسبوك...) في حملاتهم الانتخابيّة!.

ومِن هَؤلاء المُرشّح على لائحة "بيروت مدينتي" جاك جندو، الّذي يقول إِنّه أَحسن الاستفادة مِن وسائل التّواصُل الاجتماعيّ في حملته الانتخابيّة. فعلى سبيل المثال، فقد بدأَ جندو حملته بالاستماع إِلى رأي الجُمهور في المرشّحين، فدخل في حوارٍ مع النّاخبين حتّى ولو كانوا من خارج دائرته الانتخابيّة، بعدما حمل المذياع (الميكروفون) وطاف في شوارع الأَشرفيّة وغيرها من المناطق اللُبنانيّة مُحاورًا الجمهور، وهُم لا يعرفون بعد، أَنّه المُرشح البيروتيّ عن مقعد الأَقليّات في دائرة بيروت الأُولى الانتخابيّة... كما وأَنّه راح يجول على مراكز الاقتراع بدرّاجةٍ، مستقلًّا درّاجته الهوائيّة للانتقال مِن مركزٍ اقتراعيٍّ إِلى آخر، مُحتكّا بالنّاس بالمُباشر!. ولكنّ الإِطلالات على وسائل التّواصل الاجتماعيّ لم تُلغِ ضَرورة أَن يكون للمُرشّح الحديث في مجال الخدمة العامّة، "بروفايل" إِعلاميّ، وذلك لا يتمّ إِلّا مِن خلال الإِعلام التّقليديّ!. لذا فقد عمل "المكتب الإِعلاميّ" للمُرشّح جاك جندو، على خطّين اثنَين: الأَوّل في استثمار وسائل التّواصُل الاجتماعيّ، والثّاني على خطّ الإِعلام التّقليديّ، ولكن لا يُمكن إِلّا يأخذ المسار الإِعلاميّ وقته كي يتحقّق الهدف، فالمسأَلة إذّاك لا تكون عبر "البريستو"، بل يتطلّب الأَمر وقتًا يجهد المرشّح خلاله إِلى تظهير صورة المُرشّح، وإِذاك تكتمل مشهديّة التّسويق الإِعلاميّ للمُرشّح!.

ميدانيًّا، مِن المُفضّل التّنسيق الكامل بَيْن فريقَيْ العمل أَي العاملين في الإِعلام التّقليديّ، وأُولئك المُهتمّين بوسائل التّواصُل الاجتماعيّ، لتكتمل عناصر المجهود الإِعلاميّ وتُفضي بالتّالي إِلى الهدف المنشود!.

ومع الإِقرار بأَنّ وسائل التّواصُل الاجتماعيّ المُجتازة في نجاحٍ امتحانات إِثبات الذّات، لن تُلغيَ إِعلامًا تقليديًّا خالدًا، غير أنّنا في المُقابل، لا بُدّ لنا مِن الإِقرار بأَنّ الشّبكات الاجتماعيّة، باتَت ثَوْرةً تكنولوجيّةً في عالَم المُشارَكة السّياسيّة الّتي غزَت العالم بأَسره ومِن ثمّ المنطقة العربيّة، وقد نالت اهتمامًا واضحًا بعدما تدفّق الشّباب لدُخولها والانتماء إِلى مجتمعها الفسيح، ونظرًا لما تُمثّله هذه الشّبكات مِن مُجتمعٍ افتراضيٍّ جديدٍ، تلاشت فيه الحُدود وأُزيلَت منه القُيود، وشكلت في الوقت نفسه ظاهرةً إِعلاميّةً فريدةً، إِذ استوعبَت كُلّ أَشكال الإِعلام التّقليديّ، وبثّته في صورةٍ تقنيّةٍ حديثةٍ.