انهمك لبنان الرسمي بالتحضير لاستعجال إيفاد الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل آموس هوكستاين لاستئناف الوساطة، بعد الإعلان الإسرائيلي عن السعي لربط تحويل الغاز المسال المستخرج من حقل كاريش، المتنازع عليه، حسب المصادر اللبنانية، والذي يدخل ضمن المنطقة الخالصة، حسب المزاعم الإسرائيلية، تجنباً للدفع بالوضع المهزوز في المنطقة إلى حافة الانفجار، مع إعلان حزب الله على لسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الانتظار لاستخدام القوة إذا لزم الأمر.

وعلمت "اللواء" أن الوسيط الأميركي هوكستاين اطلع على الوضع الحاصل في ملف الحدود البحرية وذلك في خلال اتصال تم معه. ومن المرتقب أن يزور المنطقة لكن لم يحدد موعد الزيارة. كما افيد أن السفينة اليونانية اينرجيان باور بعيدة ثلاثة أميال عن المنطقة المتنازع عليها.

وقالت مصادر مطلعة أن الموضوع يتم متابعته بالوسائل الدبلوماسية، وإذ أشارت إلى أن المزايدات التي تصدر هي في خارج السياق ومن الواضح أن الموقف اللبناني يدعو إلى استئناف المفاوضات.

واشارت مصادر متابعة لملف دخول سفينة انتاج الغاز الى البحر المتوسط، الى أن السفينة ما تزال خارج المنطقة المتنازع عليها، استنادا إلى تقارير تلقتها السلطة اللبنانية، من اكثر من جهة. الا ان ذلك لا يعني بانها لن تدخل الى هذه المنطقة لاحقا.

وكشفت المصادر بأن لبنان، يتابع موضوع السفينة، باهتمام، مع الدول الصديقة الفاعلة، لكنها اشارت الى هشاشة الموقف اللبناني، لوجود اكثر من جهة، واكثر من موقف لبناني بهذا الخصوص، في حين تطالب بعض الدول اللبنانيين، بصياغة موقف لبناني، جامع وموحد من هذه المشكلة لكي يفرض الموقف اللبناني نفسه، ويحقق نتائج لمصلحة لبنان، في حين ان تعدد المواقف يضعف الموقف اللبناني.

دعوة بو حبيب

ولاحظت المصادر عدم استجابة سفراء الدول الكبرى لدعوة وزير الخارجية عبدالله بوحبيب للاجتماع بهم عند الحادية عشرة من قبل ظهر امس الاثنين في مقره بوزارة الخارجية، مما استوجب الغاء هذا اللقاء، وهو ما اعتبرته المصادر، مؤشرا سلبيا واستياء من التعاطي اللبناني الرسمي مع هذا الملف الحيوي والمهم للبنان اقتصادياً والخطير في آن واحد.

سفينة التنقيب

وقالت مصادر رسمية لـ "اللواء" ان سفينة التنقيب لم تدخل بعد المنطقة المتنازع عليها، وانها رست على بعد ثلاثة اميال او اكثر قليلا بعيداً منها، إدراكاً من الشركة اليونانية للمخاطر المترتبة على دخولها المنطقة المتنازع عليها، لكن هذا لا يمنع ​اسرائيل​ من التنقيب لاحقاً في المساحة التي تعتبر ان لها حقاً بها وهي اكبر من المساحة التي يطالب لبنان بحقه فيها.

اجتماع السفراء

وفي وقت تتجه الأنظار إلى الخطوة المقبلة التي سيتخذها لبنان الرسمي، علمت "الأخبار" أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد يستضيف اليوم اجتماعاً لسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لمناقشة موضوع الحدود الجنوبية، علماً أن هذا الاجتماع كان يفترض أن يُعقد أمس بدعوة من وزير الخارجية عبدالله بو حبيب. وليلاً، أعلنت الخارجية الأميركية انها "تدعم أي جهود للتواصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل بشأن خلافهما حول الحدود البحرية".

وفيما تقاطعت معلومات عن انتظار عودة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين، لم يتبلغ لبنان بأي موعد في هذا الشأن، واستقرت التطورات عند اقتراح رسمي لبناني يطالب بعودته لاستئناف المشاورات.

وعلمت "الأخبار" أن الاتصالات المباشرة مع هوكشتين بدأت أمس (تردد أن اتصالاً هاتفياً تم بينه وبين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي) حول ضرورة عودته لتحريك الوساطة منعاً لتفاقم الوضع. في المقابل، أبلغ الوسيط الأميركي محدثيه بأن الإسرائيليين لا يريدون مشكلة الآن، وأن سفينة الإنتاج لم تتجاوز حتى الخط 29.

مصادر مطلعة أكدت أن المعلومات الواردة من واشنطن حول عدم وجود حماسة أميركية يمكن وضعها في خانة الضغط. وأوضحت أن الولايات المتحدة تبلغت من لبنان وإسرائيل ضرورة المباشرة بوساطة جديدة، لكن الجانب الأميركي يتذرّع بأنه لم يلمس موقفاً لبنانياً موحداً، وأن الوسيط لا يريد أن يعود للقاءات مجاملة ويفضّل أن يكون لدى لبنان ما يقوله. إذ أن هوكشتين الذي جمّد وساطته منذ شباط الماضي، كان ينتظر - بحسب مقربين من السفارة - رداً خطياً على آخر نسخة اقتراح تقدمَ بها كحل محتمل للنزاع البحري، ولم يصله بعد بسبب نتيجة التباينات اللبنانية الداخلية.

لذلك، بحسب المصادر نفسها، فإن جولة من الاتصالات التي جرت بعيداً من الأضواء في الساعات الماضية على خط الرؤساء الثلاثة، هدفت إلى التفاهم على أمرين: الأول، حسم مرجعية التفاوض بالرئيس عون بالتشاور مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، على أن يكون الموقف الرسمي واضحاً حيال كل النقاط خصوصاً مسألة الخط الحدودي النهائي، والثاني الاتفاق على موقف موحد يستند إلى رفض لبنان الشروط المسبقة.

ميدانياً، أشارت المعطيات التقنية التي وصلت إلى الرئاسات الثلاث أمس إلى "عدم ثبات هذه الباخرة في الساعات 24 الأخيرة وتحركت ضمن بقعة بلغت حوالي ميلين بعرض ميل واحد واقتربت من الخط 29 من ناحية الجنوب لمسافة أقصاها 100 متر من دون أن تتخطاه"، ولم تدخل في المنطقة المتنازع عليها حتى الآن.

اقتراح ​حسن مراد

برز أمس اقتراح قانون معجل مكرّر تقدم به النائب حسن مراد، يتضمن طلباً بتعديل المادة 17 من القانون 163/2011 وتضمينه خريطة وإحداثيات حدود المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة جنوباً لتشمل الخط 29.

مصادر نيابية قانونية أكدت لـ"الأخبار" جواز طرح القانون بصفته المعجلة المكررة خلال جلسة اليوم المخصصة لانتخاب أعضاء ومقرري اللجان النيابية، وأوضحت أنه "طبقاً للنظام الداخلي للمجلس النيابي في المادة 109 منه، يحق لرئيس المجلس طرح المشروع المعجل المكرر في أول جلسة يعقدها بعد تقديمه، حتى ولو لم يدرج في جدول الأعمال. وعطفاً على استثنائية اللحظة والضرورة الملحة لذلك، قد يستنسب رئيس المجلس طرح الموضوع اليوم سواء قبل بدء جلسة الانتخاب أو بعدها".

مصادر نيابية قالت إنه في حال تمت مناقشة الاقتراح واتخذت توصية ملزمة بشأنه، فإن ذلك يشكل غطاءً نيابياً لأي جلسة يدعو إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. في المقابل، تبقى الاحتمالات مفتوحة حول كيفية تعاطي برّي مع الاقتراح، ربطاً بتصريحه لـ"الأخبار" أمس، إذ نبّه إلى أنه "إذا لم يتجاوب (عاموس) هوكشتين أو لم يصِل إلى نتيجة، فعلى الحكومة أن تجتمِع وأن تأخذ قراراً وطنياً بالإجماع بتعديل المرسوم 6433 وإرساله إلى الأمم المتحدة".

أين هي الحدود؟

هذا المستجد في رأي مصادر سياسية يوجب ان يشكّل نقطة جامعة للبنانيين للدفاع عن سيادتهم وثروتهم البحرية، ولعلّ أولى الطرق المؤدية الى ذلك، هو ان تخرج كل الاطراف من خلف متاريسها السياسية وتتشارك في تشكيل حكومة تكون في صدارة مهمّاتها خطة مواجهة لأي عدوان اسرائيلي على السيادة اللبنانية، وأي محاولة من قِبله على السطو على ثروات لبنان في البحر من النفط والغاز.

وقالت مصادر معنية بهذا الملف لـ"الجمهورية"، انّ الإرباك الحاصل في هذا الملف، والالتباس الحاصل حول النقطة النهائية للحدود اللبنانية الخالصة، مردّهما ليس فقط محاولة السيطرة الاسرائيلية على الحقول النفطية والغازية في البحر، بل هو أيضاً، الموقف اللبناني المتخبّط حيال هذا الامر، وإدخال هذا الملف من البداية في بازار المناكفات والمزايدات السياسية.

ولفتت المصادر، الى انّ "الجانب اللبناني أثار جواً من الغموض حيال هذه الحدود، عبر الاندفاع بداية إلى القول، انّ الحدود النهائية تقف عند الخط 23 ومن ضمنه مساحة الـ860 كيلومتراً مربعاً المتنازع عليها، ثم ما لبث الامر ان تطوّر الى تعديل في الموقف اللبناني، والتأكيد على انّ الحدود تصل الى الخط 29، ومن ثم عاد وتراجع عن الخط 29".

وبحسب المصادر، فإنّ ذلك "تبدّى بصراحة واضحة، في الرسالة التي وجّهت إلى الامم المتحدة بتاريخ 28 كانون الثاني الماضي، و بعلم من المسؤولين الرسميين، والتي شكّلت اعلاناً رسمياً صريحاً بنقل التفاوض بشأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخطّ 23 إلى الخطّ 29، مع الاحتفاظ بحق تعديل المرسوم رقم 6433 في حال المماطلة وعدم التوصّل إلى حلّ عادل".

وكان المتوخّى من هذه الخطوة، ليس تأكيد لبنان على عدم القبول بمساحة الـ860 كيلومتراً، بل ان تحفظ حق لبنان بمساحة الـ2290 كيلومتراً مربعاً، وكذلك عدم الالتزام بمبدأ التفاوض "حقل مقابل حقل"، أي "حقل قانا" للبنان، و"حقل كاريش" لاسرائيل، حيث انّ الرسالة تضمنت اشارة واضحة إلى أنّ حقل "كاريش" هو منطقة متنازع عليها، وبالتالي لا يمكن لإسرائيل الاستمرار بعمليات التنقيب فيه، ولا يمكن البدء بعمليات الإستخراج. وقد اعتبرت الرسالة، انّ "العمل في تلك المنطقة يعرّض الأمن والسلم الدوليين للخطر".

على انّ ما يلفت الانتباه في رأي المصادر، ما عاد واعلنه الرئيس عون نفسه بعد فترة قصيرة من إرسال الرسالة الى الامم المتحدة، حيث أشار إلى انّ "الخط 29 طرحه البعض من دون حجج برهنته، انّ خطنا هو النقطة 23، وهي حدودنا البحرية وحقنا الحقيقي والفعلي، وهذا هو خط تفاوضنا ونتمسك به.. وتعديل المرسوم 6433 لم يعد وارداً في ضوء المعطيات الجديدة".