شدد وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال محمد وسام المرتضى، على أن "تراث بيروت جزء من ثروات لبنان المتنوعة، والممتدة من عمق البحر والبر إلى البشر والطبيعة والعادات والإبداعات، فالوطن هو هذه كلها وهي كلها جديرة بحمايتها والدفاع عنها، بيروت ليست عاصمة وطن انها عاصمة وجود، انها عاصمة الفجر العربي وعاصمة الفخر العربي، وواجب اللبنانيين بعامة، والبيروتيين بخاصة، أن يحموا هذا التراث العريق، لا بقوة الذاكرة التي تحفظ وتستعيد، بل بالقدرة الدائمة على صونه من أي اعتداء.،هذا يستلزم قوَّتَيْنِ روحية ومادية، بهما يقف المجتمع سدا منيعا دون محاولات استلاب الوطن وخيراته وتاريخه ومستقبله".

كلام المرتضى جاء خلال رعايته مؤتمر "اهداء الى بيروت ...رسالة حنين " من تنظيم جمعية اندية الليونز الدولية المنطقة 351 وجمعية "تراثنا بيروت" في مبنى بيروت - تقاطع السوديكو، في حضور محافظ بيروت القاضي مروان عبود، حاكمة جمعية اندية الليونز الدولية عايدة قعوار وحشد من الفاعليات السياسية والثقافية والاجتماعية والجمعيات المعنية بالتراث.

وقال المرتضى في كلمته: "بيروت... لا تستحق أن نوجه إليها الرسائل فقط. إنّها تستحق أن نعيشَها خفقانَ خَطو في شوارعها، وصخب حروف في مطابعها، وألحان حياة في مطالعها، وقيامة دائمة من مصارعها، وألقا يوميا يسطع حتى في أشد ساعات حزنها الدهري، بيروت ليست مدينةً للذاكرة والحنين، إنها الغد الذي كان بالأمس ويحيا الآنَ وسيحيا إلى الأبد، حتى يرثَ اللهُ تعالى المدائنَ كلها . فكيفَ لنا وقد أحببناها أن نحنَ إليها، وهي المدينة التي تسكننا قبل أن نسكنَها، وتغادر فينا حين نغادرها، وتحزن معنا عندما نحزن، وتفرح كلما ضوَأ في ليالينا مصباح فرح؟ بيروت ليست مدينة، إنَّها قلب بيروت ليست عاصمة وطن، إنها عاصمة وجود".

وتطرق الى الواقع الثقافي فقال: "بهذا الشغف البيروتي نطلُّ اليوم على عَشِيَّةٍ ثقافية تجمع اللوحة والموسيقى والشاشة والكتاب، ووجوها طيبة من نخبة لبنانية ما برح نشاطها الاجتماعي مكللا بهالة الثقافة، فما أحب هذا اللقاء وما أبعد دلالاته على المستويين الثقافي والاجتماعي اللذَيْن يشكلان من كلِّ أمة وجهها الحضاري المشرق، إذ إن الثقافة لا تتألّق إلاّ في مجتمع راق، ولا تخبو إلا إذا تراجعت أوضاع البيئة التي تحتويها".

واردف:" من هذا المنطلق، وفي هذه المناسبة أود أن أشير إلى بِضْعَة أمور ترتبط ارتباطا وثيقا بالتراث الذي نستعيده الآن، وبالمستقبل الذي نريده لوطننا.

الأمر الأول: أن لبيروت علامة فارقة في نسيج تكوينها الإنساني. ولا أعني بذلك تعدد الأطياف الديموغرافية فيها، بل قدرتَها على صهر أهلها عائلة واحدة من أي بقعة أتَوا. فمن عادة المدن الكبيرة أن تكون مكانا للتيه البشري، أما بيروت فمنارة تَهدي من التيه، وتجمع الناس الذين يأتونَها، وترفع إلى رقي موقعها المضيء على امتداد الزمان. إنها طبيعة المدينة التي تتنفَّس حريّةً، وتعلَم وتعلّم كيفَ يصير المناخ المنفتح على الآخر فضاء للاتحاد والابداع والتلاقي. ولعل هذا الطابَع الحر الجامع هو الذي استدعى إليها قديما مدرسة الحقوق الرومانية، ثمّ استدعى إليها منذ القرن التاسع عشر، المدارسَ والجامعاتِ والمستشفيات والشعراء والمفكرين والصحفَ والإعلامَ، ورجال السياسة والمقاومين، وكل ألوان الحضارة الإنسانيةية وأطياف الكرامة الوطنية، لتكون بيروت عاصمةَ الفجر العربي التي فتحت أبواب نهضة العرب، وعاصمةَ الفخر العربي التي هرب منها الصهاينةُ وهم يتوسلون أمام بنادق أبطالِها: "لا تطلقوا علينا النار نحن خارجون".

وتابع :" الأمر الثاني الذي أسجله لهذا الاحتفال أن تراث بيروت ليس معنويًّا فقط. بل هو أيضًا هذا الكنزُ من معطيات العيش اليومي الذي اختزنه أجدادُنا وآباؤنا وأورثونا إياه. ربّما كان بعض هذه المعطيات قد تغير أو زال بفعل تقدم العصر واختلاف وسائط الحياة، لكن دور الثقافة يكمن هنا بالضبط: في السعي الدؤوب على إبقاء التراث حيا في نفوس الأجيال، لكي تنموَ في معرفتِه ومحبته، والتشبث به، ذلك أن الشجرة لا تزهر ولا تورق ولا تثمر إلا إذا انغرست في ترابها عميقة الجذور".

واردف :"الأمر الثالث أيها الأحباء، أنه من الرائع إحياءُ يومٍ لمثل هذه الذكريات. لكنَّ الرائع أكثر أن نعرف كيف نحوّلُها إلى عمرٍ دائم. ذلك يتأتّى بمقدار شعور كلِّ فردٍ منّا بالانتماء إلى المدينة، بل الأحرى إلى الوطن قبل أي شيءٍ آخر. هكذا يصبحُ التراث جزءًا من الحياة اليومية المتجددة، لا فولكلورًا موسميًّا نستعيدُه كلّما لجَّ بنا الحنين الى ما فات".

وختم: "أما الأمر الأخير الذي أودُّ الإشارةَ إليه، فهو واجب اللبنانيين بعامَّة، والبيروتيين بخاصة، أن يحموا هذا التراث العريق، لا بقوة الذاكرة التي تحفظ وتستعيد، بل بالقدرة الدائمة على صونه من أي اعتداء. هذا يستلزم قوتين روحية ومادية ، بهما يقف المجتمع سدا منيعًا دون محاولات استلاب الوطن وخيراته وتاريخه ومستقبله. إن تراث بيروت جزءٌ من ثروات لبنان المتنوعة، والممتدة من عمق البحر والبر إلى البشر والطبيعة والعادات والإبداعات، فالوطن هو هذه كلُّها وهي كلُّها جديرة بحمايتِها والدفاع عنها. تحية ثقافية إلى أصحاب الدعوة والمنظمين والحضور. بوركت جهودكم جميعا".