لفت البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​، في عظة ختام رياضة المطارنة في ​بكركي​، إلى "أنّنا عندما كنّا نتأمّل في وجه الأسقف المثلّث الأبعاد، كنّا نفكّر بشعبنا في أبرشيّاتنا. وكم اتّضحت أمام أعين ضمائرنا وقلوبنا ومسؤوليّاتنا، أوضاعهم المتعطّشة إلى الصّلاة بالنّسبة إلى البعيدين عن الكنيسة، وإلى المحبّة بسبب حاجاتهم المتزايدة وجوعهم وفقرهم وبؤسهم وإهمالهم وظلمهم وحرمانهم وقهرهم، وإلى الرّحمة الّتي تنحني وتضمّد جراحهم الجسديّة والمعنويّة والرّوحيّة، والّتي تنبذ لغة الثّأر والكراهيّة والبغضن، وتنشر لغة مغفرة الإساءة والصذلاة من أجل الأعداء".

وأشار إلى أنّه "ارتسمت أيضًا أمام أعين فكرنا وقلبنا، حالة شعبنا المسيحيّ عامّةً والمارونيّ خاصّةً، الّذي يعاني مثل مواطنيه المسلمين من ويلات الحرب والهجرة والحرمان و​الفقر​ في بلداننا المشرقيّة. وإذا تكلّمنا عن هجرة الشّعب المسيحيّ وبخاصّة المارونيّ بسبب الضّيقات السّياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والأمنيّة، فلكي ندلّ إلى الخسارة الجسيمة الّتي تصيب بلدان هذا الشّرق".

وأكّد البطريرك الرّاعي أنّ "المسيحيّة ثقافة وحضارة وقيم أخلاقيّة وإنسانيّة، تولّد الاعتدال وقبول الآخر المختلف. اختبار جمال التعدّديّة في الوحدة. والمسيحيّة الّتي تنادي بالأخوّة الشّاملة، فلكي تؤكّد أنّ جميع النّاس من كلّ لون وعرق ودين هم إخوة، لأنّهم أبناء وبنات لأب واحد في السماء. وقد جعلهم كذلك المسيح-الكلمة الإلهيّة الّذي صار بشرًا، واتّحد بكلّ إنسان، في سرّ تجسّده وموته وقيامته".

وشدّد على أنّ "يا ليت المسؤولين والسّياسيّين عندنا في ​لبنان​ يدركون قيمة هذا الوطن وفرادته، الّتي نجدها في ​الدستور​ والميثاق الوطني (1943) ومبادئ ​اتفاق الطائف​. إنّ المحافظة عليه، وعلى مثاليّته ورسالته في الشّرق والعالم، تقتضي وعيًا وتربيةً وولاءً لدى جميع الفئات اللّبنانيّة، وبخاصّة الّذين يتولّون خدمة الشأن العام"، مبيّنةً أنّ "ما شريعة العيش المشترك سوى ممارسة هذه الأخوّة أفقيًّا، والبنوّة لأب واحد عموديًّا".

كما ذكّر بأنّ "لبنان نشأ ليكونَ مثال الوطن السيّد الحرّ الحيادي تجاه محيطه والعالم، ورمز المساواة والشّراكة بين جميع مواطنيه على أساس الدستور والميثاق. لقد أردنا لبنان دولةً ديمقراطيّةً قويّةً ومنيعةً بمؤسّساتها وشعبها وجيشها وقضائها النّزيه وعلاقاتها العربيّة والدّوليّة السّليمة. وكادت أن تَنجح هذه التجربة، لولا تَعدّد الولاءات والانقسامات الّتي أدّت إلى تدخّلاتٍ عسكريّةٍ في بلادنا من كلِّ صوب".

وركّز الرّاعي على أنّه "فيما نجحت الجماعات اللّبنانيّة، وإن متفرِّقةً، في مقاومة المحتلّين ودفعهم إلى الانسحاب بين سنوات 1982 و2000 و2005، حريٌّ بنا جميعًا أن نُحافظ على إنجازات التّحرير المتلاحقة، فلا نَتورّط مجدّدًا في مواقف من شأنِها أن تعيد لبنان ساحةً عسكريّةً لصالحِ دول أجنبيّة".