يرى عددٌ مِن أَصحاب الاختصاص، أَنّ في الحديث عن علاقة الشّبكات الاجتماعيّة بالمُشاركة السّياسيّة، يجب أَن نُسلّط الضَّوْء على:

1-مَواقع التّواصُل الاجتماعيّ في إِطار الاهتمام السّياسيّ للشّباب، إِذ إِنّ في الحديث عن علاقة هذه المَواقع بهكذا اهتِمام، فقد أَحدَثَت هذه الوسائل نَوْعًا خاصًّا مِن الاهتمام بالأُمور السّياسيّة وذلك عائدٌ إِلى خصائصها الّتي جعلت منها مَنابر للنّقاش السّياسيّ وتبادُل الآراء وتكوين آراء سياسيّةٍ مُخالفةٍ للّتي كانَت موجودةً مُسبقًا، وبذلك تحوّلَت مَواقع التّواصُل إِلى فضاءٍ لإِشهار الأَفكار السّياسيّة والمشاعِر الوطنيّة، والتّداول في الأَخبار كالـ "فيديوهات"، فيما ابتكر المُستخِدمون أَشكالًا ظريفةً وفريدةً مِن التّعبير الرّمزيّ للإِعراب عن حماستهم للأَحداث وعن رفضهم للنّظام، وأَصبحت بذلك مواقع التّواصل الاجتماعي فضاءً رئيسيًّا استخدمها الشّباب للتّعبير والجدل والنّقاش، فتكاثر عدد المُستخدمين، وتحوّلت هذه الشّبكات إِلى منصّةٍ لنشر "الفيديوهات"، وكتابة المقالات، والانضمام إِلى جماعاتٍ تشكّلت وقد جمعت في ما جمعت، "دردشاتٍ" في مَواضيع لا حصر لها، حتّى تعدّدت الآراء والمَواقف...

2-ومِن هذا المنظور، يعتبر البَعض أَنّ الشّبكات الاجتماعيّة تحوّلت إِلى فضاءٍ عُموميٍّ يتفاعل مع فضاءَاتٍ أُخرى تقليديّةٍ، لتُشكّل مجالًا عُموميًّا جديدًا ديمقراطيًّا مُنفتحًا وجماهيريًّا!... وقد أَصبحت بالتّالي، مجالًا للنّقاش والجدل والحوار، باعتباره عمادًا للدّيمقراطيّة، وإِن يُسجّل في هذا الإطار خُروجٌ عن أُصول التّخاطُب في بعض الأَحيان!...

3-يقتضي هذا المجال العُموميّ الدّيمقراطي والعقلانيّ شُروطًا خُلُقيّةً، وثقافيّةً، وسياسيّةً، كالاعتراف المُتبادَل بالشّرعيّات، واستبعاد الحقائق المُطلَقَة والمُتعالِيَة الّتي تنسف إِمكان النّقاش. فالنّقاش العامّ يفترض الاختلاف والقَبول بالتنوُّع الفكريّ والسّياسيّ على اعتبار أَنّهُما حالًا طبيعيّةً للمُجتمع، كما ويقتضي النّقاش الاتّفاق على معاييرَ مُشتركةٍ.

4-يُمكن للشّباب، أَن يُمارسوا في هذا المجال العُموميّ الافتراضيّ، أَنشطةً جديدةً ومُتعاظِمةً ذات علاقةٍ وطيدةٍ بالشّأن العامّ، وهي تُمثّل أَيضًا قُوّةً ثقافيّةً تتجسّد في امتلاك الوَسائط والحُضور في الفضاءًات العُموميّة، وابتكار أَنماطٍ جديدةٍ مِن التّعبير عن الهُويّة الذّاتيّة والجماعيّة. كما وأَنّ هذه "القُوّة الجديدة"، الّتي أَضحى يمتلكُها مُستخدِمو مَواقِع التّواصُل الاجتماعيّ، باتَت شكلًا مِن أَشكال المُقاوَمة للـ "هَيْمنة الاجتماعيّة"، على ما يُسميّه جون فيسك ( Fisk John) القُوّة السّيميائيّة، أَي قُوّة بناء المعنى والمُتعة والهويّات الاجتماعيّة المُختلِفة عن تلك الّتي تريد أَن تفرضها الهَيْمَنة الاجتماعيّة.

5-تعمل "المصادر الإِعلاميّة المَفتوحة"، على إِعادة تشكيل "المجال العامّ المَفتوح"، الّذي يُدشّن بفعل الاختيار المعرفيّ وما تُتيحه المصادر الإِعلاميّة الجديدة المفتوحة، مركزَ القُوّة الفاعلة من الآلة والتّكنولوجيا... إِلى الإِنسان، ومِن النُّخَب... إِلى عُموم النّاس!... لذا نجد أَنّ "المجال العامّ المَفتوح"، يتأسّس ويتعمّق بفعل الفرص المُتاحة أَمام مُعظَم النّاس في الوصول إِلى المعلومات والحُصول عليها، والفُرَص المُتاحة في إِيداع المعلومات وإِطلاع الآخرين عليها والمُشاركة في إِنتاجها وإِيداع

الآراء والمواقف والاتّجاهات وتشكيل الاتجاهات نحوها... إِذ تُساهم هذه المصادر الإِعلامية في إِعادة التّشكيل العميق للثّقافة السّياسيّة، وهي الملاذ الآمن الّذي تولَد فيه النّقاشات العامّة.

وفي المُحصّلة، فإِنّ الدُّول الّتي لم يتحرّر فيها الإِعلام، بما يُوفّر إِعلامًا بديلًا، حيث تُوفّر شبكة "الانترنت" بُنيةً تحتيّةً لمعلوماتٍ مُستقلّةٍ عن الدَّولة، ما يُمكّن الحَركات الاجتماعيّة مِن النُموّ والازدهار عبر عملٍ تراكُميٍّ لا يخلو مِن الصّراع!.