أعاد وصول سفينة وحدة إنتاج ​الغاز الطبيعي​ المُسال "energean power"، إلى المنطقة الحدودية البحرية مع ​لبنان​ من جهة ​إسرائيل​، ملفّ ​ترسيم الحدود البحرية​ إلى الواجهة من جديد بقوّة، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن يتركها على المشهد العام في المنطقة برمّتها، في ظلّ ظروف بالغة الدقّة عنوانها الأبرز المراوحة التي تشهدها مختلف الملفات التفاوضيّة.

طوال الأسبوع الماضي، كان الكثيرون يتوقّعون أن يقود هذا التطور إلى مواجهة عسكريّة بين لبنان وإسرائيل، بالرغم من أنّ الجانبين على المستوى الرسمي أبديا الرغبة بالعودة إلى المفاوضات غير المباشرة، التي تتم بوساطة أميركيّة، لتفادي الوصول إلى هذا السيناريو الصعب، الأمر الذي يدفع إلى طرح سؤال جوهري يتعلق بمصلحة الأفرقاء المعنيين بالذهاب إلى مثل هكذا مواجهة.

من حيث المبدأ، هناك شبه إجماع على أن تداعيات أي مواجهة عسكرية ستكون كارثية على تل أبيب وبيروت معاً، خصوصاً على مستوى الإستثمارات في مجال الطاقة في البحر المتوسط، نظراً إلى أنّ الشركات الكبرى لن تذهب إلى العمل في مثل هكذا بيئة متوترة، وبالتالي الحلّ الأفضل بالنسبة لهما هو الذهاب إلى تسوية تسمح لهما بإستغلال الحاجة إلى الغاز على المستوى العالمي.

ما ينطبق على الجانبين اللبناني والإسرائيلي ينطبق أيضاً على الوسيط الأميركي، حيث أن الولايات المتحدة تعتبر أبرز الساعين إلى تأمين بدائل تسمح للبلدان الأوروبيّة بتخفيف الإعتماد على الغاز الروسي، الأمر الذي يحدّ من تداعيات الحرب في أوكرانيا، التي ذهبت فيها موسكو إلى إستخدام سلاح الغاز الإستراتيجي في وجه القوى الغربية، وبالتالي الدافع نحو إنجاز تسوية، من جانب واشنطن، هو اليوم أكبر من أي وقت مضى.

إنطلاقاً من الوقائع المذكورة في الأعلى، تأتي زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتيان إلى بيروت في الأيام الحالية، حيث الهدف الأساسي، من الناحية المبدئية، هو منع الوصول إلى مواجهة عسكريّة بين الجانبين، حتى ولو لم يعنِ ذلك الوصول إلى حلّ سريع لملفّ ترسيم الحدود البحريّة، نظراً إلى أن المصلحة الإسرائيليّة قد تكون هي التهدئة التي تسمح لها بالعمل من دون أن تفتح الباب لذلك أمام بيروت.

بناء على ذلك، تكتسب المعادلات التي تم رفعها في الأيّام الماضية، خصوصاً من جانب أمين عام "حزب الله" ​السيد حسن نصرالله​ ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​، أهميّة قصوى، خصوصاً أنها شدّدت على منع إسرائيل من التنقيب عن النفط طالما أنّ لبنان غير قادر على ذلك، مع العلم أنّ الشركات العالميّة التي كانت فازت بمناقصة في الجانب، لا سيما "توتال" الفرنسية، كانت قد تعرضت لتهديدات واضحة في هذا الصدد.

ما تقدم يقود إلى الحديث عن 3 سيناريوهات متوقعة لما بعد زيارة الوسيط الأميركي، بالنسبة إلى هذا الملف الإستراتيجي:

السيناريو الأول: الذهاب إلى تسوية سريعة تسمح لكل من تل أبيب وبيروت بالعمل على إستثمار ثرواتهما الغازية في البحر، الأمر الذي يتطلب جهوداً كبيرة من الجانب الأميركي وقبول من الجانب الإسرائيلي بالحدّ الأدنى من الشروط الموضوعة من الجانب اللبناني.

السيناريو الثاني: الذهاب إلى مواجهة عسكريّة لا أحد يستطيع، منذ اليوم، التكهن بالنتائج والتداعيات التي ستتركها، لكنها من المؤكد ستعيق كل الإستثمارات الغازيّة في البحر المتوسط، الأمر الذي من المفترض أنه لا يصبّ في صالح أيّ من الأفرقاء المعنيين بهذا الملف.

السيناريو الثالث: الذهاب إلى التهدئة التي تفتح الباب أمام مفاوضات طويلة، الأمر الذي يصبّ في صالح تل أبيب لكنه سيكون مضرّاً جداً لبيروت، خصوصاً في ظل موقف الشركات الأجنبية المعروف، لا سيما أن الجانب الإسرائيلي سعى، منذ توتر الأجواء في الأيام الماضية، إلى التأكيد بأن "energean power" لم تقترب من المنطقة المتنازع عليها.

هنا، قد يكون على الجانب اللبناني التنبه إلى إمكانية دفعه إلى السيناريو الثالث، على قاعدة حاجة الوسيط الأميركي إلى المزيد من الإتصالات والزيارات المكوكية، الأمر الذي لا يجب الموافقة عليه إلا على أساس عودة الأمور إلى ما قبل إستقدام "energean power" إلى المنطقة المتواجدة فيها، نظراً إلى أنّ خسارته أوراق الضغط التي يلوح بها: توقيع المرسوم المتعلق بإعتماد ​الخط 29​ أو المواجهة العسكريّة التي توقف جميع الأعمال في الجانبين، من الممكن أن يكون له تداعيات كارثية.

في المحصلة، من الضروري الإشارة إلى أن الإستفادة من هذه الثروة يجب أن تكون في وقت قريب، نظراً إلى أن التطورات العلمية والتوجه نحو الإعتماد على الطاقات البديلة، قد يؤديان إلى أن تكون، بعد سنوات، من دون أيّ قيمة فعليّة أو جدوى إقتصادية بالمقارنة مع كلفة الاستخراج.