استبعدت مصادر دبلوماسية غربية ان يسلك ملف التفاوض غير المباشر مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، طريقه بإتجاه التوصل الى اتفاق نهائي حول المناطق المتنازع عليها في وقت قريب كما يروج البعض، تمهيدا للمباشرة بعمليات الحفر واستخراج النفط والغاز بالرغم من الرد الاخير الموحد للمسؤولين اللبنانيين على مقترحات الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين وقالت: ان السلطة المسؤولة في لبنان وتحديدا رئاسة الجمهورية، التي اعلنت مرارا، ان موضوع التفاوض حول ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وتوقيع الاتفاقيات بخصوصه، هي من صلاحيات رئيس الجمهورية ميشال عون الدستورية، اضاعت السنوات الماضية بالمماطلة، وغاصت بالخلافات بين مكوناتها، والتباهي بتعطيل المفاوضات لحسابات ضيقة شعبوية فارغة، غير موثوق بها، وليست مؤهلة لاستكمال ملف التفاوض للوصول إلى الاتفاق النهائي.

وتوقعت المصادر عبر "اللواء" ان يتم ترحيل استكمال مسار الوساطة الاميركية بين لبنان وإسرائيل، الى ما بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لان الوقت المتبقي من ولايته اصبح قصيرا جدا، ولم يوظف المسؤولون بالرئاسة اللبنانية، اشهرا عديدة منذ قدم الوسيط الاميركي مقترحاته في شباط الماضي، لتسريع الخطى للبت بهذا الملف، واستهلاك الوقت كله، من دون جدوى، بينما كانت الدول المعنية باستخراج موجودات الغاز والنفط في المتوسط، ومنها إسرائيل، تعمل ما في وسعها، لاستكمال الإجراءات المطلوبة بوتيرة متسارعة.

واعتبرت المصادر ان الجواب اللبناني الموحد تقريبا، والذي تسلمه الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين امس الاول، وبالرغم من كونه يعطي دفعا لملف التفاوض مع إسرائيل قدما الى الامام، الا انه يتعارض في بعض جوانبه، مع المقترحات التي حملها الوسيط الاميركي الى لبنان سابقا، ومع اتفاق الإطار الذي تم التوصل اليه بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والجانب الاميركي بعد سنوات من الوساطة الاميركية، ما يعني، انه سيكون موضع اخذ ورد مع إسرائيل، وبالتالي فإنه سيستغرق وقتا أطول مما هو متوقع، ومع انشغال الإدارة الاميركية بمشاكل النفط العالمية بفعل الحرب في اوكرانيا، فإنه من المتوقع ان يُرحل الملف كله، الى الإدارة الاميركية الجديدة على الارجح.

مُجاملة أم ماذا؟

وإذا كان هوكشتاين قد اعتبر انّ الموقف الذي تبلّغه من المسؤولين اللبنانيين هو موقف متقدّم، من شأنه أن يدفع بمفاوضات الترسيم الى الأمام، الّا انّه أثار قراءات مختلفة حوله. فثمة من قرأ في كلام الوسيط الاميركي إشارة ايجابية مشجّعة يمكن ان يُبنى عليها تفاؤل في إمكان سلوك هذا الملف سبيل الوصول الى اتفاق نهائي وقريب حول الحدود. حيث افترض أصحاب هذه القراءة، انّ كلام الوسيط الاميركي العالِم بحقيقة الموقف الاسرائيلي سلفاً، يعكس في طياته صورة تقريبيّة للموقف الاسرائيلي الذي يتماهى معه الموقف الاميركي بالكامل في ملف الترسيم ونقاط الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل.

الّا انّ مصادر مسؤولة معنية بهذا الملف، أبلغت إلى "الجمهورية" قولها، إنّها لا تأخذ بإيجابية الكلام العلني، "حيث قد لا يعدو أكثر من مجاملة للموقف اللبناني، وربما تكون لهذا الكلام حسنة بَدا فيها وكأنّه ينفس جوّ التصعيد والتهديدات التي أحاطت بالملف البحري في الايام الاخيرة، الّا انّ ذلك لا يعني النوم على حرير. انّه موقف شكلي".

واكّدت المصادر، أنّ المهمّ هو هل ستتجاوب اسرائيل مع ما يؤكّد حق لبنان بحدوده كاملة وحقوقه في ثرواته التي تنازعه عليها اسرائيل؟ وقبل الحديث عن النقطة 29 وما إذا كانت نقطة حدود نهائية او نقطة تفاوضية، وما إذا كانت المساحة الفاصلة بين النقطتين 23 و29 منطقة متنازع عليها، هل ستجمّد اسرائيل أي نشاط استثماري لها في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان؟ وهل ستقبل بالنقطة 23 كنقطة حدود حقيقية وفعلية للبنان؟ وأكثر من ذلك، وإن صحّ ما قيل عن عرض قدّمه لبنان لترسيم الحدود يستثني حقل "كاريش"، هل ستقبل اسرائيل بتعديل الخط 23 بما يزيد المساحة البحرية للبنان من 860 كيلومتراً الى 1200 كيلومتر يقع ضمنها ما يسمّى "حقل قانا"؟

وإذ تؤكّد المصادر المسؤولة عينها "انّ موافقة اسرائيل على الطرح اللبناني، ستعجّل باستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين"، إلّا انّها لا تبدي تفاؤلاً في هذا المجال، ذلك انّ التجربة مع العدو الاسرائيلي في هذا الملف منذ سنوات طويلة غير مشجعة على الاطلاق، ويجب ان نتوقع منذ الآن مرحلة جديدة من الابتزاز الاسرائيلي للبنان الذي عليه ان يكون على اتمّ استعداد لمواجهتها. الّا إذا كان في جعبة الوسيط الاميركي ما يحمل اسرائيل على انتهاج سلوك آخر، وهذا ما لا نستطيع ان نؤكّده".

الوقت ثمين

إلى ذلك، أكّدت مصادر ديبلوماسية غربيّة لـ"الجمهورية"، انّ "زيارة هوكشتاين تعكس جدّية واشنطن في بلوغ اتفاق سريع بين لبنان واسرائيل حول حدودهما البحرية، وجوهر هذه الزيارة عدم تضييع المزيد من الوقت الثمين على لبنان واسرائيل، ويؤشر ما رشح من نتائج المحادثات التي أجراها هوكشتاين في بيروت انّها أسست لعودة الجانبين اللبناني والاسرائيلي الى طاولة المفاوضات حول الحدود. ونأمل ان يتبدّى ذلك في القريب العاجل، وفي ذلك مصلحة وفائدة للبنان واسرائيل".

التنقيب!

إزاء ذلك، يؤكّد مرجع مسؤول لـ"الجمهورية" انّ "اتفاق الاطار" يبقى الاساس في هذا الملف، والخطأ القاتل الذي ارتُكب بحق لبنان وضيّع عليه وقتاً ثميناً كان في إمكانه ان يستغله في الاستفادة من ثروته، هو اصرار البعض على لعبة التشاطر والمماطلة والمزايدات السياسية، بالشراكة مع جهات داخلية تلبّي عن قصد او عن غير قصد، رغبات خارجية لا تريد للبنان ان يستفيد من ثرواته ويخرج من أزمته".

وإلى جانب ذلك، شدّد المرجع على ضرورة ان يسارع لبنان في الاتجاه الذي يقرّبه من الاستفادة من ثرواته في البحر، وعدم انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل، بل انّ ثمة بلوكات اخرى في إمكان لبنان بدء اعمال التنقيب فيها. وهذا يفرض على لبنان حثّ الشركات المعنية على الشروع في هذا العمل، ومن دون تأخير.

وخلص المرجع الى القول: "انّ اصل الداء الذي نعاني منه، هو الجفاء الداخلي وانعدام المسؤولية، فنحن أمام امتحان مصيري إن احسنّا دخوله ننجح وننجو، والّا فمصيرنا المحتوم هو السقوط الكارثي. وإذا كانت المسؤولية الوطنية والاخلاقية توجب الالتفاف الداخلي الكامل حول موقف لبنان في معركة الحقوق والحدود، فإنّ هذه المسؤولية يفترض ان تتجلّى ايضاً وبقدر أعلى، بانخراط كل المكونات السياسية في المعركة الوجودية التي فرضتها الأزمة المالية وما يتفرّع عنها من ويلات ونكبات معيشية على اللبنانيين".