أن تستلم خبر وفاة شخصًا عرفته، وتعاونت معه، واحترمته، وقدّرت عطاءاته، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، دون أن تتأثّر، وتدمع، وتحزن فرسول الأمم علّمنا: "لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ"(1 تسالونيكي 4: 13).

بغياب المربّية الفاضلة السّيدة هالة بيّوض السكاف (المديرة السّابقة لمدرسة زهرة الإحسان)، يُسدل السّتار عن حقبة مهمّة جدًا من تاريخ هذه المدرسة العريقة، التي خرّجت أجيالًا على مرّ السنين، فهالة السكاف كانت حالة استثنائيّة في عالم التّربية، "فطوبَى لِمَنْ اخْتَرْتَهُ وَ قَبِلْتُهُ يَا رَّبُّ لِيَسْكُنَ فِي دِيَارِكَ إِلَى ٱلْأَبَدِ"(مزمور 65: 4).

عرفت هذه السّيدة لسنوات طويلة، وقد كان لابني ولابنتي الحظ الوافر، في الغرف من حكمتها وفضائلها وإدارتها الرّصينة لمدرستهما. لعلي أترحّم عليها، ليس لحسن إدارتها للمدرسة فحسب، بل لأنّها زرعت إلى جانب العلم الممتاز في طلّابها، التربية الصّالحة. كانت فقيدة التربية والعلم. "مدام السكاف" كما اعتدنا مناداتها، كانت تركّز في إدارتها المدرسيّة على حسن السّلوك، والتهذيب، والأخلاق الحميدة، فباتت معها زهرة الإحسان مثلًا يُحتذى به، على الصّعيدين التّربويّ والأخلاقيّ.

لم تتعاطَ مع طلابها وأهاليهم من منطلق السّلطة المعطاة لها، إنّما كانت تتمتّع بمواهب سكبها الرّوح القدس في شخصيتها، فاستثمرتها في خدمتها للرّسالة التي إئتمنت عليها. لم تطمر هالة بيّوض السكاف الوزنات، بل وظّفتها بشكل فعّال، فحوّلت زهرة الإحسان إلى منارة وصرح تربويّ عريق بكل ما للكلمة من معنى، وذلك ببركة مطران بيروت المتروبوليت الياس (عوده) وتوجيهاته.

استطاعت مدام السكاف، مع الجسمين: التربويّ والإداري في زهرة الإحسان، من تحويل هذا الصرح التربوي العريقإلى منزلِ ثانٍ للمتعلّمين. لم يكن الطّالب عندهم رقمًا، إنّما مشروع مستقبل لجهة العلم، والثقافة، والمعرفة، والأخلاق الحميدة. كانت هالة السكاف سبّاقة في إدخال مناهج تربوية، تحثّ التّلامذة على البحث الجدّيّ عن النّجاح، من خلال ما زرعته فيهم من طموح لا يضاهيه شيء.

تعاملت مع طلابها بمحبّة مطلقة، وكانت ببسمتها الرّاقية واللّطيفة تدفع بهم للشّعور بالأمان وعدم الخوف من "وهرتها" كمديرة. ترجمت مواهب الرّوح القدس في حياتها، وتعلّمت من بولس الرّسول أن "ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ"(غلاطية 5: 22)، وهذه الثّمار لا توجد منفردة، فلا محبّة بدون فرح وسلام. فالمحبّة علامة الولادة من فوق، أمّا الفرح فلا يستطيع أحد أن ينزعه من قلب المؤمن، ولا يتأثّر بالظّروف المحيطة به، لأنّ سلام الله الذي يفوق كلّ عقل يملأ القلب في أشدّ الضّيقات. هذا ما امتازت به مدام السكاف إلى جانب طول الأناة، لأنّ النعمة التي كانت مسكوبة عليها من فوق، جعلتها قادرة على الصّبر وتحمّل إساءة الآخرين مستذكرةً دائمًا صبر ومحبّة الربّ يسوع، وهذا ناتجٌ من قوّة الإيمان.

وعن لطافتها حدّث ولا حرج، فقد كانت مثالًا في التّعامل مع طلابها، والجسم التربويّ والإداريّ، بالوداعة، والشّفقة، والرّفق، والتّسامح بدلًا من القسوة والخشونة، ولذلك أحبّها طلابها، واحترمها أهاليهم، وأطاعها كل المحيطين بها. فعلًا كانت سيّدة صالحة، ترجمت صلاح الله فيها بسلوكها وفضيلتها في كلّ المواقف التي ّبادرت إليها، بسخاء وجود.

رحم الله هذه السّيّدة الفاضلة، التي رقدت بسلام الربّ، على رجاء القيامة والحياة الأبديّة. رحلت هالة زهرة الإحسان وأيقونة التربويّين، لكنّ الرّجاء بالذين يحملون المشعل، لتبقى زهرة الإحسان وغيرها من المدارس، منارة العلم والمعرفة والأخلاق النّبيلة، لإتمام رسالة التّعليم، كما حملته المرحومة السيدة هالة بيّوض السكاف، رغم كلّ الصّعاب والتّحدّيات التي يواجهها التّعليم في لبنان.

تعازينا الحارة لأسرتها الصّغيرة والكبيرة، وليكن ذكرها مؤبدًا. المسيح قام.