هوذا "مَجدُ ​لبنان​ أُعطيَ لَهُ"، فَماذا أعطى لبنانَ؟.

هَنا، في لبنانَ، جَسَّدَ حِوارَ الله والإنسانَ، فَ"آمَنَ بِهِ تَلاميذُهُ." كَيفَ لا؟ وَمِن قانانا، إعتُلِنَ إبنَ اللهِ، وَعَلى سَفحِ حَرَمونِنا، جَبَلِ حُرمَةِ اللهِ، كانَ إعتِرافُ هامَةِ رُسُلِهِ: "أنتَ إبنُ اللهِ الحَيِّ!" فإعتُلِنَت حَقيقَتُهُ.

أأنا لَبنَنتُهُ، هوَ الآتي الى الخَليقَةِ فِداءً، أيّ خَلاصاً بِجَسَدِهِ وَدَمِهِ، تَحريراً مِن فَواجِعَ الصَلبِ؟.

ها هو يأتي الى لبنانَ كُلَّما ضايَقَهُ أولَئِكَ، خاصَّتهُ، الذينَ ما أرادوهُ وَلَن، وما إعتَرَفوا بِهِ وَلَن، وما فَهِموهُ وَلَن. بَل حاكَمَهُ رؤساؤهُم الدينيُّونَ خِفيَةً وَعُنوَةً، وَحكَموا عَليهِ بالتَكافُلِ والتضامُنِ مَعَ رؤساءِ هذا العالَمِ عُنوَةً وَخِفيَةً... مُذ كانَ. لأنَّهُم ما أرادوا الخَليقَةَ على صورَةِ اللهِ بَل اللهُ على صوَرِ الإنسانِ، بالظُلمِ، بالبَطشِ، بالعُبودِيَّةِ... بالغَرَقِ في الغابِرِ، في عِبادَةِ الوَثَنِ وإستنباطِ التِوِثُّنِ، حَيثُ وَحدهُ المٌستَعبِدُ يُعبَدُ.

هو أتى الى لبنانه، وأتى، إلَيهِ، بِتلامِيذِهِ مَعَهٌ. تَعَرَّفَ إلى مُدُنِهِ، وَأبنائِهِ، وَقِمَمِهِ. سارَ عَلى طُرُقِهِ، وَسَقى بِعَرَقِهِ وعورَةَ هِضابِهِ. شَهِدَ صَيَّاديهِ يُبحِرونَ في الأغمارِ وَقَد ألقوا الشِباكَ، وَشاهَدَ زارِعيهِ يَرمونَ بِذارَ الحَصادِ الآتي غِلالاً للمُطلَقِ، وَتَناغَمَ مَعَ هَذي الأرضِ فَتَفاعَلَ مَعَ لاهوتِها، هيَ المُتفاعِلَةُ فَرَحاً بِناسوتِهِ.

هُنا، وَجَدَ حَضارَةً سَبَقَتهُ الى سِرِّ التِجِسُّدِ هَذا، وَسابَقَتهُ الى سِرِّ التَثليثِ بالإيمانِ أنَّ اللهَ أبٌ وأمٌّ وأبنٌ، رِباطُهُمِ الحُبُّ، وإستَبَقَتهُ في سِرِّ الفِداءِ إذ نادَت بإبنٍ هو خُلاصَةُ الحُبِّ، يَصرَعُهُ الوَحشُ لَكِنَّهُ يَقومُ في يَومٍ ثالِثِ وَقَد صَبَغَ بِدَمِهِ نَهرَ الحياةِ الهادِرِ صَوبَ المُستَقَرِّ في رَحابَةِ الخَليقَةِ.

وَفي هَذِهِ الأسرارِ مُجتَمِعَةً، سُطوعُ حِكمَةِ اللهِ وَسط َظَلامِيَّةِ جَهلِ الخَليقَةِ، فَفيها يُكلِّمُ اللهُ الخَليقَةَ لا لِيَكشِفَ لَها ذاتَهُ فَحَسب بَل أكثَر، لِيَكشِفَ لَها ذاتَها... وَكَلِمتُهُ لَها: أنتِ، أقنوميَ الرابِع!.

هنا، أتُراهُ وَازَنَ بَينَ النِعمَةِ المُتَدَفِّقَةِ مِنهً والأعمالِ الطالِعَةِ مِنَ الخَليقَةِ صَوبَهُ؟ كَثيرونَ راموا أكثَرَ، إذ جِزِموا أنَّهُ مِن لبنانَ، لا أكثَرَ وَلا أَّقَلَّ. أفي ذَلِكَ مُبالَغَةٌ، أن يَكونَ إعتِزالُهُ في لبنانَ تَكريساً لِدُروبِ الإلتِزامِ بِهِ أكثَرَ، إذ غَدا تَلاميذُهُ شَعباً... شَعبُ اللهِ؟.

رايَةُ العَلانِيَّةِ

أجَل! سألنا هَذا السؤالَ: ماذا أعطى ​المسيح​ لبنانَ؟ رايةَ علَاِنيَّةِ اللهِ لا تاريخِيَّتَهُ فَحَسب بَل كَونيَّتَهُ. رايَةً ما رَفَعَها إلَّا هُنا. هو الهاتِفُ هُنا للمَرأةِ مِن صَيدانا: "ما أعظَمَ إيمانَكِ أيَّتُها المَرأة، فَليَكُن لَكِ ما تُريدينَ!" (متى 15/28). وَهو الصارِخُ هُناكَ بالخَليقَةِ المُستَفحِلَةِ بإستِعبادِها: "وَيلٌ لَكِ يا كورَزين! وَيلٌ لَكِ يا بَيتَ صَيدا! لأَّنهُ لَو صُنِعَت في صورَ وَصيدا القوَّاتِ المَصنوعَةَ فيكُما، لَتابَتا بالمُسوحِ والرَمادِ مِن زَمَنٍ... إنَّ صورَ وَصيدا سَيكونُ مَصيرُهما يَومَ الدَينونَةِ أخَفَّ وَطأةً مِن مَصيركما. وأنتِ يا كفرناحومَ... سَتَهبُطينَ الى مَثوى الأمواتِ" (متى 11/21-23).

أهو يَعتَرِفُ بِذَلِكَ أنَّهُ لبنانيٌّ؟ وأنَّه لبنانيٌّ أكثَرَ مِنّا؟.

الجوابُ لا يُفضي فَقَط الى قَضيَّةِ إيمانٍ تَتآخى مَعَ واقِعيَّةٍ. إنَّهُ مُرتَبِطٌ بِمَصيرَ الخَليقَةِ. تِلكَ التي، إنطِلاقاً مِن لبنانَ، لَبنَنَها المَسيحُ بأسرِها. فإمَّا تَكونهُ أو لا تَكون!.

لا مُعادَلَةَ غَيرَ هَذِهِ: إن إستِمِرَّت في غِيِّها كانَ رأسُها هو ثَمَنُ ضَلالِها. وإن تَلَبنَنَت، على ما أرادَهُ المَسيحُ لَها، إنبَلَجَ لها فَجرُ الحَقِّ المُحَرِّرِ مِن لبنانَ الكَونيِّ، فَخَلُصَت.