ثمّة حاجةٌ في إِطار المُشاركة السّياسيّة في مَواقع التّواصُل الاجتماعيّ، تكمُن في المعرفة. فمِن خلال اهتمام المُواطِنين بالأُمور السّياسيّة، يُمكنُهم الحُصول على الكثير مِن المعلومات السّياسيّة، والّتي قد تُشكّل معرفةً تتسِع أَو تضيق، بحسب درجة الاهتمام السّياسيّ، ودرجة التعرُّض للمَواضيع السّياسيّة!. ونظرًا إِلى خصائص مواقع التّواصُل تلك، فإِنّ هذا يدفعنا إِلى القَوْل إِنّ مَواقع التّواصُل الاجتماعيّ تُوفّر قدرًا هائلًا مِن المعلومات السّياسيّة الّتي تُؤدّي إِلى المعرفة، وقد ساعدت في التّأثير في المعرفة من خلال تسهيل الحُصول على المعلومات مِن مصادر مُباشرةٍ، وتسهيل تَوْصيل المَعلومات إِلى الجُمهور مِن دون تحكُّمٍ خارجيٍّ، فقد وضعت "شبكة الإِنترنت" أَمام مُستخدميها عددًا ضخمًا يتنامى يوميًّا مِن مصادر الأَخبار والمعلومات "المُتحرّرة مِن قُيود المكان والزّمان". بَيْد أَنّ السُّؤال امطروح في هذا المجال: "هل المَعرفة السّياسيّة، والاهتمام بـ "قضايا السّاعة"، يكفيان لاعتبار الفرد مُشاركًا سياسيًّا عبر وسائل التّواصُل الاجتماعيّ؟. وتاليًا: هل يُمكِن تعزيز قِيَم المُحاسبة مِن خلال الوسائل تلك؟.

الثّقافة السّياسيّة والسُّلوك

تُعرّف الثّقافة السّياسيّة Political culture بأَنّها "فرعٌ مِن فُروع الثّقافة العامّة"، الّتي "تهتمّ بطبيعة العلاقة بين الأَفراد مِن ناحية القِيَم والمعايير السُّلوكيّة مع السُّلطة السّياسيّة في مُجتمعٍ ما"... كما ويُمكِن تعريفها بأَنّها "جُملةٌ مِن المعارف والآراء والاتّجاهات الخاصّة بمُجتمعٍ ما تجاه الشُّؤون السّياسيّة والسُّلطة والحُكم في المنطقة!".

وفي المُقابل، يُؤكّد جون هيرمان أَن "شبكة الانترنت وبما فيها مِن مَواقع التّواصُل الاجتماعيّ... قد أَصبحت أَكثر وسيلةٍ إِعلاميّةٍ لإِثارة الجَدَل والنّقاش الدّيمقراطيّ"، حيث تُضيف أَبعادًا أُخرى للاتّصال، مُقارنةً بالوسائل الإِعلاميّة الأُخرى، ومنها الطّبيعة التّفاعُليّة، وصُعوبة السّيْطرة على المَواقِع الإِلكترونيّة والرّقابة عليها، واتّساع نطاق القاعدة الاجتماعيّة المُستخدَمَة لها، وعدم تقييدها بالحُدود الجُغرافيّة والسّياسيّة...

ولكنّ المَعرفة السّياسيّة، والاهتمام بـ "قضايا السّاعة"، لا يكفيان لاعتبار الفرد مُشارِكًا سياسيًّا، فالمُشاركة في هذا الإطار، تتجلّى مِن خلال سُلوك الفرد وتصرُّفاتهه... وردّات فعله تجاه القضايا السّياسيّة لمُجتمعه، إِذ إِنّ السُّلوك هو الطّريقة الّتي يُعبّر بها الأَفراد عن آرائهم وأَفكارهم ومُعتقداتهم واتّجــاهاتهم... فيما مَواقِع التّواصُل الاجتماعيّ تُوفّر فرصةً للتّعبير السّياسيّ "غَيْر التّقليدي"

عبر "سُلوكٍ سياسيٍّ" ينفرد بخصائص رئيسيّةٍ هي أَنّه:

1 - أَسرع وسيلةٍ للنّشر...

2 - يُقدَّم في أَساليب غير تقليديّةٍ وفي صورةٍ عادةً ما تكون فوريّةً.

3 - يتطلّب القَليل مِن الالتزامات في شأن الوَقت والتّكاليف أَو الانتماء إِلى مُنظّماتٍ مُعيّنةٍ!.

وتُضاف إِلى ذلك، سُهولة المُشاركة، في وسائل التّواصُل، إِذ إِنّ الفرد يستطيع التّعبير عن نفسه في الوقت والمكان اللذَيْن يختارُهما، على خلاف الانتخابات أَو تنظيم التّظاهُرات مثلًا...

علاقة المُواطِنين بالسّياسيّين

يرى Wright & Coleman في مواقِع التّواصُل الاجتماعيّ "أَداةً فعّالةً في تجديد العلاقة بَيْن المُواطِنين والسّياسيّين، وتعزيز الاتّصال السّياسيّ"، ما يُحقّق فوائِد تدعم قِيَم المُحاسبة والشّفافيّة وهي:

1-تقليل المسافة بَيْن إِنتاج الرّسالة وتلقّيها، بما يُولّد نمطًا اتّصاليًّا غير وسائطيٍّ.

2-تعزيز الحوار التّفاعُليّ مِن خلال تمكين "المُتلقّي" مِن إِبداء استجابةٍ مُباشرةٍ على مضمونها.

3-إِتاحة الفرصة لمُنتَج الرّسالة في عرض تعليقات "المُتلقّين" وتعديل المضمون...

4-طرح أَشكالٍ جديدةٍ مِن مفاهيم "القاعدة الشّعبيّة" و"الصّحافة التّشارُكيّة".

5–منح آفاقٍ جديدةٍ لحركات "المُعارضة الافتراضيّة"، والّتي اتّخذَت طابعًا عالميًّا في ظلّ قُدرة الشّبكة على تحقيق التّواصُل بَيْن النُّشطاء...

وفي هذ الإِطار تكفي الإِشارة إِلى أَنّ مَواقع التّواصُل الاجتماعيّ، قد أَصبحَت منبرًا لنقد السّياسات الحُكوميّة مثلًا، وكذلك الكَشف عن الانحرافات وفضحها أَمام الرّأي العام، بحَيْث تُستخدَم هذه

المَواقع كأَداةٍ للاحتجاج على السّياسات الحُكوميّة، أَو كعاملٍ مُساعدٍ في تنظيم تلك الفعاليّات والتّأثير في تشكيل الرّأي العامّ وتعبئته... بعيدًا مِن "الدَّوْر التّقليديّ" للنُّخبة، واحتكار بعض الفاعلين التّقليديّين للمعلومات.

أَبعادٌ أُخرى

وفي المُحصّلة فقد أَضافت "الإِنترنت" ومَواقِع التّواصُل الاجتماعيّ، أَبعادًا أُخرى للاتّصال، تختلف عن النّماذِج التّقليديّة غَيْر المُتكافِئَة، الّتي كانَت تُتيح الفرص لفريقٍ ما، على حساب فريقٍ آخر في "العمليّة الاتّصاليّة". وكذلك ثمّة أَبعادٌ أُخرى للنُّخب الحاكِمة، ولِعَلاقتها بالمُشاركة السّياسيّة، والتي كانت تتحكّم في إِنتاج الخطابات العامّة، في حين أَنّ "النّموذج الجَديد" الّذي ساهمت فيه التّكنولوجيا الحديثة للإِعلام والاتّصال-وبخاصّةٍ الانترنت ومَنحاها التّفاعُليّة في تكوينه، فهو يكمُن في "منح الفُرصة للأَفراد" في إِمكان إِنتاج الخطابات والمُشاركة في الاتّصال العُموميّ، ما يُسهم تاليًا في تشكيل فضاءٍ عُموميّ أَكثر انفتاحًا، إِذ لم يعُد مُقتصرًا على النُّخَب السّياسيّة والثّقافيّة ومُأطَّر من خلال الأَحزاب والجمعيّات...

وأَمّا الحديث عن "جيشٍ إِلكترونيٍّ" هدفه إِرهاب الخُصوم بإِطلاق الإِشاعات والأَرقام الوهميّة فذاك ملفٌ آخر هو بمثابة "فخّ البُسَطاء في عالم السّوشال ميديا"!.