توحي مختلف المعطيات السياسية بأن البلاد ستكون، يوم الخميس المقبل، أمام معركة حامية حول هوية رئيس الحكومة المكلف، بعد أن برز، في الأيام الماضية، سعي إلى الإتفاق حول اسم جديد، من قبل مجموعة من القوى والشخصيات، يخوض المواجهة مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي كان تكليفه شبه محسوم.

في هذا السياق، قد يكون من المستغرب الذهاب إلى هكذا مواجهة، في المرحلة الراهنة، في الوقت الذي يدرك فيه الجميع أن عمر أيّ حكومة جديدة من المفترض ألاّ يتخطى الأشهر الأربعة، وبالتالي هي لن تكون قادرة على إنجاز أيّ أمر، قبل أن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، مع إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية ​ميشال عون​.

بالنسبة إلى مصادر سياسية متابعة، في ظلّ الخلافات القائمة قد يكون من الصعب الذهاب إلى تشكيل حكومة جديدة، بغضّ النظر عن هوية رئيسها، نظراً إلى أنّ غالبيّة القوى لا تزال تتصارع حول هويتها، بين من يريد أن تكون حكومة سياسية أو حكومة مستقلين، بالإضافة إلى من يفضل أن تكون من التكنوقراط أو تكنوقراط مطعمة بسياسيين، وبالتالي ما هو مرجّح بعد التكليف أن تكون البلاد أمام مرحلة طويلة من الأخذ والرد على هذا الصعيد.

من وجهة نظر المصادر نفسها، المعضلة الأساس تكمن بأنّ الجميع لا يزال يتعامل مع هذا الإستحقاق على قاعدة تسجيل النقاط الإنتخابيّة، نظراً إلى السجال المفتوح حول من يمتلك الأكثريّة النّيابية في البرلمان الحالي، حيث تشير إلى أنّ القوى التي كانت تشكّل فريق 14 آذار سابقاً تسعى، عبر التحالف مع النواب المستقلّين والتغييريين، إلى إثبات تفوّقها وعدم تكرار تجربة إنتخابات رئاسة المجلس النيابي وهيئة مكتب المجلس، بينما قوى الثامن من آذار تريد، من هذا الإستحقاق، إعادة التأكيد على أنّها قادرة على تأمين الأكثريّة متى كانت بحاجة لها.

في هذا الإطار، هناك معادلة تستحق التوقّف عندها، خصوصاً بعد طرحها من قبل مجموعة واسعة من الأفرقاء، تقوم على أساس أنّ من ينجح في حسم هوية رئيس الحكومة المكلّف قادر على أن يمتلك التأثير الأكبر في الإنتخابات الرئاسيّة، الأمر الذي يؤكّد أنّ الهدف من معركة الخميس المقبل أبعد منها.

حول هذا الموضوع، تؤكّد المصادر السّياسية المتابعة أنّ الجميع ينظر إلى الإستشارات النّيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلّف من منظار الإستحقاق الرئاسي، خصوصاً في ظلّ الطروحات التي تؤكّد أنّ أيّ حكومة تبصر النور من المرجّح أن تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية بعد إنتهاء ولاية عون، وبالتالي لا يمكن تجاهل التوازنات التي يسعى إليها كل فريق، الأمر الذي قد يدفع حزب "القوات اللبنانيّة" إلى التراجع عن قرار عدم المشاركة، بهدف منافسة "التيار الوطني الحر" على الحصّة الوزاريّة المسيحيّة.

وتلفت المصادر نفسها إلى أنّ هذا الأمر هو من مصلحة مجموعة كبيرة من الأفرقاء، قد يكون على رأسها كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس "الحزب التقدّمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، وتشير إلى أنّ الأمر نفسه ينطبق على رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي كان المبادر إلى فتح مواجهة مع رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​ مباشرة بعد إنتقال حكومته إلى مرحلة تصريف الأعمال.

في المحصّلة، لا يمكن اليوم الحديث عن معركة على هوّية رئيس الحكومة المقبلة بل عن معركة رئاسية حادّة، تتداخل فيها العوامل الداخليّة والخارجيّة بعد دخول السفير السعودي وليد البخاري على خطّ المشاورات القائمة، تحت عنوان ترتيب البيت الداخلي السنّي، الأمر الذي يدفع البعض إلى الحديث عن أنه قد يكون من الأفضل الذهاب مباشرة إلى الإنتخابات الرئاسيّة، بدل تضييع الوقت على معركة حول حكومة لن تعمّر طويلاً.