بعد أن كان من شبه المحسوم، منذ أسابيع، إعادة تسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في الإستشارات النيابية الملزمة لإختيار رئيس الحكومة المكلّف، أعاد البعض طرح إسم السفير اللبناني السابق نواف سلام من جديد، بعد أن بات هذا الإسم يحضر في كل إستشارات على أساس أنه من الأسماء التي قد تمثل تحدياً لـ"حزب الله".

في هذا السياق، طُرحت في الأوساط السياسية والإعلامية العديد من علامات الإستفهام حول ما إذا كان هذا الأمر يعود إلى رغبة سعوديّة في الإمساك بورقة التكليف، قبل أشهر قليلة من نهاية ولاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، على إعتبار أن تكليف أي شخصية، لا تحظى بتأييد قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، ستفتح الباب من جديد للبحث في من يمتلك الأكثرية النيابية في المجلس النيابي الحالي.

من حيث المبدأ، علامات الإستفهام هذه تعززت من خلال النشاط الذي قام به السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، على خط النواب السنة المستقلين تحديداً، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة عبر "النشرة"، الذين لا يزالون يدورون في فلك تيار "المستقبل"، الذي كان من الواضح أنّه يفضل خيار تسمية ميقاتي، بدل فتح الباب أمام أي مرشح آخر من قبل جهات لا تزال مُصرّة على "وراثة" زعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.

بالنسبة إلى هذه المصادر، النقطة المفصليّة على هذا الصعيد كانت في موقف حزب "القوات اللبنانية"، الذي يعتبر منذ سنوات الأقرب إلى التوجهات السعودية في لبنان، بعد أن كان تيار "المستقبل" هو المعبر عنها، حيث تشير إلى أن عدم تسمية سلام، من قبل تكتل "الجمهورية القوية"، تعني أن الرياض لم تقرّر خوض هذه المعركة بشكل جدّي، نظراً إلى أن ذهاب "القوات" إلى هذا الخيار كان من الممكن أن يقود إلى معركة حامية بين رئيس حكومة تصريف الأعمال والسفير اللبناني السابق.

في هذا الإطار، قد يكون من اللافت أن التكتلين الأكبر في المجلس النيابي الحالي قرر الذهاب إلى خيارات مؤثرة في الإستشارات النيابية الملزمة، الأمر الذي يستحق التوقف عنده بغض النظر عن الأسباب التي لدى كل منهما، خصوصاً أن هذا الموقف يكتسب أهمية كبرى على إعتبار أنهما يملكان غالبيّة المقاعد النّيابية المسيحيّة.

على هذا الصعيد، ترى مصادر نيّابية متابعة، عبر "النشرة"، أنّ الدفع بإسم سلام خدم كل من "القوّات" و"الوطني الحرّ" معاً، على مستوى مفاوضات تأليف الحكومة الجديدة، نظراً إلى أنّ الحزب يستطيع أن يربّح ميقاتي "جميلة" عدم الذهاب إلى دعم منافس قوي له، وبالتالي فتح باب "البازار" الحكومي معه، في حال كان هناك رغبة فعلية بالذهاب إلى تشكيل حكومة قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية، بينما التيار يستطيع أن يقوم بالأمر نفسه مع "حزب الله"، على قاعدة أنّه لم يذهب إلى دعم شخصيّة تستفزه، أو بأحسن الأحوال الإستفادة من موقفه إعلامياً، على أساس أنه لم يبادر إلى تسمية مرشّح "المنظومة".

في حسابات الربح والخسارة، تعتبر المصادر نفسها أن ميقاتي أيضاً من الرابحين من الدفع بإسم سلام، نظراً إلى أنها ساعدته في إثبات أنّه المرشح الذي يتمتّع بدعم العدد الأكبر من النوّاب السنّة، بالإضافة إلى دعم بعض الجهات الدوليّة، كما أن عدم تسميته، من قبل القوى المسيحيّة الأساسية وعدم التصويت له من قبل نواب "اللقاء الديمقراطي"، سيكون عاملاً مريحاً له في مفاوضات التأليف، نظراً إلى أنه سيمتلك هامش "مناورة" أكبر.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ "حزب الله" من الرابحين أيضاً، لأن ما حصل ساهم في تأمين فوزه بمعركة جديدة، على مستوى الأكثرية والأقلية في المجلس النيابي، بينما الكثير من علامات الإستفهام من المفترض أن تطرح حول حالة الإرباك التي سيطرت على موقف النواب التغييريين، خصوصاً بعد أن سارع عدد منهم إلى تبني ترشيح سلام قبل أن يحصل التوافق عليه من قبل باقي النواب، الأمر الذي فُسّر على أساس أنّه سعي إلى وضعهم أمام الأمر الواقع.

في المحصّلة، هناك معادلة، بعد الإنتهاء من الإستشارات النيابية الملزمة، ستظهر سريعاً، مفادها أنّ التأليف شبه مستحيل في الفترة المتبقيّة من ولاية رئيس الجمهورية، خصوصاً بعد الخلافات والشروط التي كانت قد ظهرت في الأيام الماضية، لا سيما بين "التيار الوطني الحرّ" ورئيس حكومة تصريف الأعمال، وهو ما تأكد من خلال موقف "القوات"، الذي يعتبر أن التركيز الفعلي اليوم يجب أن يكون على الإستحقاق الرئاسي.