لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، تعليقًا على الاجتهادات الّتي سبقت الاستشارات النيابية الملزمة، حيال التكليف أوّلًا أو التأليف، إلى "أنني أنطلق دائماً من الدستور، فهو يقول إن التكليف أولاً ومن ثم التاليف، حيث يحضّر رئيس الحكومة المكلّف الأسماء ويناقشها مع رئيس الجمهورية، ويتفق معه على الحكومة؟. هذا ما ينص عليه الدستور"، مبيّنًا أنّ "للك، نحن نرى أن الاستشارات للتكليف أولاً، ثم يصار إلى التأليف، على اعتبار أن عدم تطبيق الدستور يؤدي إلى مشكلة سياسية".

وعمّا إذا كان له كمواطن لبناني ورئيس طائفة كبرى أن يسمي رئيساً للحكومة، أكّد في حديث إلى وكالة "أخبار اليوم"، أنّ "بالتأكيد كلا. نحن لا نتعاطى أبداً الأمور السياسية بتقنياتها، إنما نتعاطى المبادئ والمواصفات، ونقول إننا في حاجة إلى رئيس حكومة مدرك يعرف الدولة من الداخل ويُشهد على تاريخه، ويتحمّل مسؤولية ويعرف أن عليه أن ينهض بالبلد الذي صار على الأرض. كذلك يجب أن يُسيّر الأمور إذ أن الحكومة هي السلطة الإجرائية التي تنفذ الإجراءات اللازمة لتسيير أمور البلد".

وأوضح البطريرك الراعي أنّ "هذا ما نطالب به، إنما لا يمكن أن نقول إن فلاناً هو رئيس الحكومة. هذا ما تقرّره الإستشارات النيابية الملزمة، فالسياسيون يعرفون بعضهم بعضاً أكثر مما نعرفهم. ونتيجة الإستشارات يكلّف رئيس الجمهورة رئيس الحكومة العتيدة".

وعما إذا كانت سلسلة المواقف التي اتخذها في الفترة الأخيرة من المسؤولين السياسيين، وخصوصاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ومن المحيطين به، قد تركت أثراً على العلاقة بينهما، أشار إلى "أنّني أنا لا أعتقد أن هذا يترك أثراً سلبياً على العلاقة، لأننا لا حساب لنا مع أحد. نحن نقول الحقيقة كما هي وهي مبنية على المبادئ والثوابت الدستورية والوطنية. قد ينزعج البعض إذا ركّزنا عليها، إنما نحن لا نقصد ذلك، ولا نقول ما نقوله لإزعاج أحد إنما لإرضاء الضمير".

وركّز الراعي على أنّ "طبعاً ذلك لا يزعج الرئيس عون، الذي لم يتبيّن لي أن ثمة شيئاً سلبياً بيننا وبينه. ولكن هذه مواقف معروفة سواء بالنسبة إلي أو إلى أسلافي من البطاركة. ونحن عندما نتحدث عن مبدأ، فقد يسرّ فريقاً ويزعج فريقاً آخر"، مشدّدًا على أنّ "الكنيسة لا تتلوّن بلون أحد وقيمتها أنها لا تؤدي حساباً لأحد ولا تسيء إلى أحد. ونحن في كل أحاديثنا لا نتعمّد الإساءة إلى أي جهة أو أي شخص، إنما نحن نحكي عن المبادئ والثوابت، ونحكي عن مواصفات".

وشرح أنّ "لذلك، أنا لا أعتقد أن الرئيس أزعجه شيء. أنا مثلاً أقول يجب أن تحصل انتخابات رئاسية قبل شهرين من انتهاء ولايته، وهذا ما ينص عليه الدستور، ويجب علي أن أقول هذا القول مراراً، ولا أعتقد أن الرئيس أزعجه ذلك".

وعن مشروعه للحياد الإيجابي الناشط، بيّن أنّ "المشروع لم يُطوَ ، فالحياد الإيجابي الناشط ليس مشروعاً وهو ليس طرحاً. الحياد هو طبيعة لبنان، فإذا لم يسترجع لبنان حياده فإنه يفقد الكثير من مقوماته. وأنا أضفت إلى الحياد الإيجابي كلمة الناشط، لأن ثمة ثلاثة عناصر أساسية للحوار:

أ - أن لبنان لا يدخل في أحداث وصراعات ونزاعات وحروب دولية أو إقليمية.

ب- أن يكون لديه جيشه وقواه العسكرية الذاتية ليتمكّن من بسط سيادته في الداخل والخارج، بمعنى أنه لا يعتدي عل سيادة أي دولة . ثم يدافع عن نفسه بقواه الذاتية ضد أي بلد يعتدي عليه وعلى سيادته أكانت إسرائيل أو غير إسرائيل.

ج- إن لبنان بلد تعددي وهو يقرّ كل الحريات المدنية العامة، وذو نظام ديمقراطي واقتصاه حر، وهو بلد حوار ولقاء وانفتاح على كل الدول. وليتمكن لبنان من عيش هذه السيادة يجب أن يكون حيادياً. من هنا سميته الحياد الناشط، لأقول إن عنده نشاطه وإذا لم يكن لبنان حيادياً لفقد كل قيمته ودوره. وهذا ما قاله البابا القديس يوحنا بولس الثاني".

وفسّر الراعي أنّ "إذاً، الموضوع لم يُطوَ ولا أزال أعمل عليه مع سفراء الدول ومع المعنيين في الداخل، ونحن نهيئ النصوص اللازمة لتقديمها إلى الأمم المتحدة. ولكن الأهم أن على الشعب اللبناني أن يفهم ماذا نقصد. البعض فهم والبعض لا يريد أن يفهم، ويتحدثون عن أشياء ليست هي الحقيقة. وهذا ما تضمنته المذكرة التي أصدرناها شرحاً لموضوع الحياد الإيجابي".

وعمّا إذا كانت هناك من اتصالات مع القوى الرافضة لمشروع الحياد، وما إذ تمت اتصالات مباشرة مع الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، كشف "أنّنا التقينا في فترة الفراغ، وهي المرة الوحيدة التي التقينا فيها. واللقاء لم يحصل عنده ولا في بكركي، ولا في مار مخايل (ضاحكًا)، إنّما التقينا في قاعة إحدى الكنائس". نافيًا أن "يكون اللقاء حصل في مطرانية بيروت".

وعن العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، لفت إلى "أنّني أستطيع أن أقول إن ثمة صداقة تجمعني ببري، إضافة إلى أنها علاقة اجتماعية وإنسانية بيننا وبينه، ونحن على تواصل مستمر. ولذلك عندما يكون لدي شيء لا أعتمد الوساطة، وهو يجيبني ببساطة ويقول لي ما عنده"، مؤكّدًا "أنّنا لا ندخل في قضايا سياسية ضيقة، بل في قضايا أكثر عمقاً. يجب أن نحترم الواقع الذي هم فيه، إنما العلاقة الإجتماعية والإنسانية بيننا وبينه جيدة جداً".

وذكر أنّ "برّي قد زار بكركي مرتين بعد انتخابي بطريركاً، وفي مأتم البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، وأنا لم أدعه من دون مناسبة ليأتي أو لا يأتي، ثم يجب ألا ننسى الظروف الأمنية والصحية وأنا أحترم تحركاته، ثم إنه كان يشارك دائماً في قداس مار مارون في الجميزة، وأنا لا أحب إزعاج أحد أو وضعه في مأزق. أنا دعوته مرة إلى بكركي في مأتم البطريرك صفير، وقبلها طبعاً عند انتخابي بطريركاً".

من جهة ثانية، وعن مواصفاته لرئيس الجمهورية المقبل، أوضح البطريرك الماروني أنّ "أولاً، يجب أن يكون الرئيس حراً غير مرتبط بأحد لا عائلياً ولا حزبياً، ويجب أن يكون على معرفة بالقضايا اللبنانية والإدارة اللبنانية، ومعروفاً من المجتمع اللبناني. رجل يعرف الدولة ويعرف الإدارة وقد مارس فيها وله تاريخ ناصع. ثم يجب أن يكون أولاً شخصاً متجرداً. هذه مواصفات كل رئيس في الدولة أو في الكنيسة وحتى في العائلة". ووجد أنه "كي يكون المسؤول مسؤولاً حقيقياً، يجب أن يكون متجرداً لا مصلحة شخصية له. ولمجرد أن تكون له مصلحة شخصية تتغيّر كل المعادلات".

وجزم أنّه "يجب ألا يكون رئيس الجمهورية مرتبطاً بأحد. هذه مسؤوليته تجاه الدستور، لأنه رئيس الجميع، أما إذا كانت لديه مصلحة هو أو أحد أفراد عائلته أو أصدقائه، فإن الدستور "يصبح على جنب". الرئيس الحر هو مَن نحتاج إليه اليوم ، ليتمكّن من النهوض وإعطاء قيمة للدستور اللبناني".

وبيّن أنّ "رئيس الجمهورية يقول اليوم إن لا سلطة لديه، ولكن لديه سلطة الدستور الذي يضع كل الناس عند حدودهم. وهو عندما يرجع إلى الدستور يضعه فوق الجميع. "الحق مش عالرئيس" لأن الدستور "على جنب". ونستنبط أعرافاً وتقاليد وشروحات وكلها خارج الدستور". وأشار إلى أنّ "دستور الطائف "وصل عم يعرج"، وفيه ثغرات. يجب أن تكون ثمة شجاعة لدى المسؤولين وفي مقدمهم رئيس الجمهورية. يجب أن يطرحوا ما مشكلتنا في لبنان ويناقشوها".

كما رأى الراعي أنّ "المشكلة بعد الطائف أن لا سلطة تحكم في لبنان، ورئيس الجمهورية لا يمون على أحد ولا يمكنه أن يحكم، ورئيس الحكومة لا يمون عل أحد، والمسألة تتعلّق بالنافذين مذهبياً أو حزبياً أو عائلياً أوبسلاحهم. لا يمكن أن يعيش لبنان كما هي الحال اليوم من دون سلطة تحسم. وبالنسبة إلى إتفاق الطائف يجب أن تقول السلطة أن فيه شوائب وثغرات وتعمل على تطبيقه. نحن لا نريد تغيير الطائف إنما نريد تطبيقه".

وأكّد أنّ "في هذه الدولة، لا أحد يمون على أحد. رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يحسم شيئًا"، متسائلا: "هل يعقل أن يطلب رئيس الجمهورية شيئاً من وزير ويقول له "كرمالي". اليوم كل وزير ملك في وزارته ويعمل ما يريد، و"ما يعجبه بيمشيه وما لا يعجبه ما بيمشّيه"... "هيك ما بيمشي الحال!". وسأل: "مجلس شورى الدولة يصدر قراره ويضعه في الجارور، فمن ينفذه؟ إن سبب خراب لبنان لأنه لا يحسم. فإذا لم يكن في البيت رجل، فإن هذا البيت يخرَب. مشكلتنا أن لا أحد يحكم في لبنان، ويجب أن يكون رئيس الجمهورية نضالياً ومضحياً".

وعمّا إذا كان على استعداد لوضع أسماء لرئاسة الجمهورية في هذه المرحلة، كما فعلت بكركي ععامي 1988 و2010 عندما طلب منها ذلك، أعلن أنّ "أكيد لا، فالبطريرك صفير أخطأ مرة وأعطى أسماءً وندم عليها حتى مماته. هو سمّى تحت الضغط محاولاً إخراج لبنان من مشكلته، ولم يصل أحد من الذين سمّاهم. ونحن بالتأكيد لا ندخل في الأسماء انما نتحدث عن مواصفات وعن أداء شخصي، وهذا دور السياسيين".

واعتبر الراعي أنّ "كذلك هذا لا يمنع أن تلعب الدول دوراً، و"كل عمرها تلعب هذا الدور في انتخاب رئيس الجمهورية، لأن للبنان قيمة ودوراً في هذه المنطقة"، لذلك فإن الدول معنية به. ونحن سنحافظ على هذا الدور، وإذا طرحوا علينا مجموعة أسماء نقول لهم هذه ليست شغلتنا". وأفاد بأنّ "ثمة عاملَين وطنيًا من حيث المبدأ، وسياسيًا من حيث تقنياته، إنما الأسماء والتعيينات لا ندخل فيها. وثمة من لا يستوعب ويقول إننا نتعاطى ال​سياسة​. نعم نتعاطى السياسة الوطنية ولا نتعاطى تقنياتها التي هي لعالم السياسيين".

إلى ذلك، شدّد على "أنّني أسفت جداً للحالة التي وصل إليها أخواننا السنة، وكنت أتمنى أن يشاركوا في الانتخابات بنسبة أكبر، والحمد لله اليوم عادوا يشاركون. لماذا نقول ذلك، لا لأننا نريد السنة وليس غيرهم، إنما لأن لبنان يقوم على التوازن بين الجميع ولا يمكن أن يكون لبنان ضعيفاً في أي مكوّن من مكوّناته. لا يمكن أن يكون فريق ضعيفاً وفريق قويًا. يجب أن يكون ثمة توازن ليسير البلد بشكل جيد"، لافتًا إلى أنّ "اليوم هناك أجواء أفضل وعادوا يكوّنون ذاتهم بذاتهم، وهذا ضروري للحياة الوطنية. آسف لأنهم وصلوا إلى مرحلة تضعضع. واليوم هم يستعيدون دورهم".

وجزم "أنّنا متعاطفون مع شعبنا الجائع والمريض والضائع، وأطلب منه أن يتمسّك بأرضه. وأنا أحيي كل القوى كنسية كانت أم غير كنسية التي هي إلى جانبهم من خلال تقديم بعض المتطلبات الضرورية لهم ولو كانت مسكنات. يجب أن نبقى ونستمر إذ لا بد بعد الليل من أن ينجلي الفجر".

وتوجّه الراعي إلى السياسيين بالقول: "ليس في استطاعتكم اللعب بمصير بلد، ولا بمصير شعب، إذ أن دوركم السياسي هو خلق خدمة الخير العام. أنتم للأسف تلعبون لخدمة أنفسكم ومصالحكم وهذا ليس مقبولاً، ولا يمكن أن تستعملوا السلطة السياسية التي لديكم لمصلحتكم الشخصية. البلد يخترب وانتم المسؤولون وليس الشعب. لا يمكنكم خنق الشعب بيديكم".