لم تمثل النتيجة التي افضت اليها نتائج الاستشارات النيابية الملزمة التي اجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مفاجأة لاحد، لان عودة رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي كانت حتمية بأي عدد نيابي كان، وهو مهد لعودته من خلال حديث صحافي اجراه قبيل الاستشارات وطرح فيه خطة عمله بعد "العودة". الآن وبعد ان حصل ما حصل، عدنا الى المربع الاول، وعادت الوعود على كل المستويات من قبل الجميع: رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء (ولو مكلّف)، النواب والوزراء على اختلافهم (الدائمون ومن اسموا انفسهم تغييريين)، حاكم مصرف لبنان والمصارف، رؤساء الاحزاب والتيارات السياسية وكل من تبقى... بقيت هذه الوعود نفسها وهي مستقاة من احلام وطموح اللبنانيين الصادقين غير المنتمين الى احد، ولكن ما الذي سيحصل بالفعل؟.

لن تتغير الامور بدليل الملفات المطروحة على بساط البحث واهمها: الوضع المالي والاقتصادي، الاستحقاقات الداهمة للنهوض البلد، مسألة ترسيم الحدود وقضية النازحين. في الموضوع الاول، ستبقى دوامة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي "قميص عثمان" فهي الحل الموعود للمشاكل ولكن لا قدرة على التوصل الى اتفاق لاسباب عديدة وعقبات خارجية وداخلية لم يحن موعد تفكيكها بعد، وهذا ما ظهر جلياً بعد الانتخابات النيابية التي تم تصويرها على انها الدرجة الاولى على سلم الخلاص، ليتبيّن انها كانت "ابرة المورفين" الموصوفة والتي انتهى مفعولها سريعاً، فلم تحقق شيئاً ولم يتحقق شيء بعدها من الوعود الرنانة التي اعطيت. وبالتالي، ليس من المنتظر الانتهاء من هذا الملف بشكل سريع لانه يرتبط بحسابات سياسية دولية ومحلية على حد سواء، ومن شبه المؤكد انه سيمتد الى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية (وليس الى ما بعد موعد الانتخابات الرئاسيّة لانه من غير المتوقع انتخاب رئيس في الموعد المحدد)، وحتى بعد ابرام الاتفاق، سيكون التطبيق مجبولاً بعراقيل وصعوبات جمّة بدأت ملامحها تتكشف عبر جهات عدة وفي مقدمها المصارف. وفي سياق متصل، سيبقى الحديث عن التدقيق الجنائي المالي "ايقونة" يحلو النظر اليها من دون اي مفعول عملي لها، ولن يمكن لميقاتي ان يغيّر شيئا خلال مرحلة "تصريف الاعمال" التي اعلن عنها في حديثه الصحافي (قبل الاستشارات الملزمة) -متجاهلاً مسألة تشكيل الحكومة التي يجب ان تكون همه الوحيد- لتبقى الامور على حالها من "الترقيع" الى ان ينجلي الضباب الدولي والاقليمي.

اما الاستحقاقات الداهمة للنهوض بالبلاد، فلن يكون بقدرة ميقاتي تغيير المسار الذي سلكه في الحكومة الحالية المستقيلة والتي لم تحقق للاسف، اي شيء ملموس فيها، حتى اذا اردنا اعتبار وصول الباصات الفرنسية للنقل العام بمثابة "انجاز"، ولكن حتى هذا الامر البسيط بقي ناقصاً. كما اننا لم نشهد اي تغيير في المسائل الاساسية كالبدء بتنفيذ خطط لجذب الاستثمارات وعودة الحركة والشركات العربية والاجنبية، في كل الحقول، الى لبنان. والذريعة التي تعطى لهذه المراوحة، هي ارتباطها بالموضوع الاول، لان كسب الثقة يحتاج الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. ويبدو ميقاتي هنا ايضاً امام وعد هائم في فضاء الاحلام.

وكي لا نستفيض بالمسألة الثانية، لا بد من التطرق الى المسألة الثالثة والمتعلقة بترسيم الحدود وقضية النازحين. وفي هذا الاطار لن يغيّر ميقاتي او غيره اي شيء في الصورة المرسومة سلفاً، وستكون نتيجة التحدي الذي اطلقه قبل ايام لجهة ان لبنان سينفذ الاجراءات القانونية بحق النازحين، خاسراً على كل المستويات، فمن لم يستطع اعادة اللاجئين الفلسطينيين على مدى عقود من الزمن رغم كل القرارات الدولية الصادرة، لن يستطيع تغيير الواقع على الساحة اللبنانية بالنسبة الى النازحين.

باختصار، بعد مسرحية الانتخابات النيابية التي كان الحديث قبلها عن انها بداية درب الخلاص، ها هي مسرحية التكليف قد صعدت الى المسرح، وستكون النتيجة نفسها لانها ستكون استكمال مرحلة تصريف الاعمال، في انتظار المسرحية الثالثة وهي الانتخابات الرئاسيّة... اليوم يعود ميقاتي الى السراي وفي جعبته ورقة تمديد لهذا الوجود الى ما بعد بعد انتهاء ولاية عون، وعندها ندخل مرحلة الترقّب الفعلي لما ستستفر عنه التسويات المنتظرة.