إستهلّ "الوسيط الأميركي الضّيف" آموس هوكشتاين، زيارته لبنان بصورة وتغريدة عبر حسابه على "تويتر" قائلاً: "صباح الخير بيروت. منظر رائع للاستيقاظ من مقرّ السفارة الأميركية"، وختمها بمقابلة مع قناة "الحرّة"، قال فيها "جئت للإستماع إلى ردود الفعل حول الاقتراحات السّابقة، وما سمعته مفاده أنّ الخيار الحقيقيّ لمستقبل لبنان، هو أن حلّ الأزمة الاقتصاديّة، يرتبط بشكل وثيق بملف النفط"... أما الخبر السار -حسب رأيه-فقوله "أنّني وجدت إجماعاً أكبر حول الرسالة، وإعداداً جدّياً للزيارة، وقد قدّموا بعض الأفكار التي تشكّل أسس مواصلة المفاوضات والتقدم بها"، وما بين التغريدة والمقابلة التلفزيونيّة، إستأنف هوكشتاين لقاءاته على رأس الوفد الأميركيّ بمرافقة السفيرة لدى لبنان دوروثي شيا، بزيارة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، من ثمّ رئيس مجلس النّواب نبيه بري، فرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، مختتما زياراته ولقاءاته المعلنة بزيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي كان له موقفا لافتًا وحاسمًا، يقطع من خلاله الطريق على كلّ من حاول ويحاول اللّعب بالماء العكر مع المؤسّسة العسكريّة الضّامنة، الذي ثبّت موقفها قائد الجيش العماد جوزاف عون، حسب ما نقلته إحدى الصّحف اللبنانيّة عن أجواء اللقاء الذي جمعهما في اللّيرزة، قائلا "اننا لا نتدخل في الشؤون السياسيّة إطلاقاً". أمّا في ما يتعلق بملف ترسيم الحدود البحريّة، الذي كثرت التحليلات والتعليقات حول موقف الجيش اللّبنانيّ منه، فقد حسمه قائد الجيش في قوله "أن الجيش اللبنانيّ أعلن موقفه صراحةً بانتهاء مهمته التقنية، وهو يقف خلف السّلطة السياسيّة في أيّ قرار تتّخذه"، مضيفًا "لسنا معنيين بأيّ تعليقات أو تحليلات أو مواقف، سواء كانت سياسيّة أو إعلاميّة، وانّ الموقف الرسميّ يصدر عن قيادة الجيش حصراً، وأيّ رأيٍ آخر لا يعبّر عن موقف الجيش"...

هذا الموقف الملفت لقيادة الجيش، سبقه توحّد مواقف الشخصيّات السياسيّة التي التقاها هوكشتاين والوفد الأميركي المرافق خلال زيارته التي استمرت ليومين، حيث لم يسبق للبنان السياسيّ أن شهد مثل هذا الالتفاف السياسيّ، والشعبيّ، بالإضافة إلى الأحزاب اللّبنانيّة "الوطنيّة"، مع إلتفاف المقاومة المباشر والصّريح، الداعم لهذا الموقف "السياديّ المقاوِم"، والذي عبّر عنه صراحة قائدها السيّد حسن نصر الله خلال إطلالته الأخيرة، حيث توحّدت جميعها خلف الرئيس ميشال عون، المفاوض الأوحد والحصريّ في ملف ترسيم الحدود اللبنانيّة البحريّة، الذي أبلغ هوكشتاين خلال اللقاء الذي لم يتجاوز الأربعين دقيقة حسب مصادر رئاسة الجمهوريّة، والذي أكّد خلاله رئيس الجمهوريّة على الموقف اللبنانيّ الجامع، والمتفقّ عليه مسبقا، والذي اختصرته مصادر رئاسيّة بحسب أحد المواقع الألكترونيّة، في النقاط الآتية:

التوقّف المباشر لجميع النشاطات البحرية للعدو الاسرائيلي في المنطقة المتنازع عليها.

تمسك لبنان بكامل المساحة المائية التي تحفظ له حقوقه وثرواته النفطية ضمن البلوكات الحدودية.

المحافظة على الحقول الغازيّة ورفض كل الرسوم والخطوط المتعرجة التي جاءت على حساب لبنان لصالح الكيان الإسرائيلي.

تجدر الإشارة إلى محاولَة هوكشتاين خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، ابتزازَ لبنانَ بما سمّاها ضمّاناتٍ لتنفيذِ اتفاقِ استجرارِ الطاقةِ من الاردن ومصر، والضغط لتأمينِ التمويلِ الدولي لذلك. هذه المحاولة المتكرّرة في آب 2020، بعدما استفزّ سفيرة اميركا إعلان حزب الله استقدام المازوت الايرانيّ، فأبلغت على إثره لبنان قرار بلادها باستجرار الطاقة من الاردن. والملفت أيضا في الزّيارة ما نقلته مصادر صحفيّة، عن اضطرار هوكشتاين والوفد الأميركيّ المرافق مع السفيرة شيا صعود خمس طبقات للوصول إلى مكتب وزير الخارجيّة والمغتربين، بعدما لم يحصّل انتظارهم عودة التيّار الكهربائي إلى مصعد الوزارة أي جدوى، الأمر الذي يعاني منه اللبنانيّون منذ عقود في مجمل حياتهم اليوميّة.

مما لا شكّ فيه أنّ "حساب الحقل لم يأتِ على حساب البيدر" عند الأميركيّ، فزيارة كبير مستشاري الخارجيّة الأميركيّة لأمن الطاقة آموس هوكشتاين الأخيرة، لم تتوقّع الموقف اللبنانيّ الرسميّ الموحّد حول قضيّة ترسيم الحدود البحريّة، والذي سمعه من كافّة الأطراف الرسميّة اللّبنانيّة، وحصرية الكلام بها والتفاوض حولها برئيس الجمهوريّة، والتأكيد على مقولة عودة هوكشتاين "منهزما" بأسقف منخفضة جدّا، خلافًا للأسقف المرتفعة، والشّروط التي وضعها على اللبنانيّين قبيل مغادرته في شهر شباط المنصرم، والتي تصبّ في مصلحة الكيان الإسرائيليّ بشكل خاص ومباشر، ما يثبّت أهميّة معادلة لبنان الذهبيّة، الرّادعة لأي عدوان محتمل، والضّامنة له، ولثرواته، ومقدّراته، ولحدوده، من الأطماع الإسرائيليّة شكل خاصّ، بالإضافة إلى الموقف السياسيّ الموحدّ الذي لم يسبق له مثيلا، والإلتفاف الداعم حول رئيس الجمهوريّة، الذي دخل هذه الجولة من المفاوضات، مدعومًا بقوّة الحقّ المثبت علميّا، من خلال تقارير لجنة الجيش اللبنانيّ الهيبوغرافيّة، وبقوّة الموقف السياسيّ الموحّد الداعم له، وبقوّة المقاومة العسكريّة التي أكّدت غير مرّة على لسان قائدها السيّد حسن نصر الله، أنّها تدعم الموقف السياسيّ اللبنانيّ، وتقف خلفه حفاظًا على أيّ تعدّ وعدوانٍ لأيّ كان، خصوصًا من قبل العدو الإسرائيليّ، ومنعه من المساس بحقوقنا على اختلافها، وليس آخرها حقّ اللبنانيّين بالتّنقيب عن النّفط والغاز في المنطقة الإقتصاديّة اللبنانيّة الخالصة، وبذلك استخراجها والإستفادة منها، للخروج من الضائقة الإقتصاديّة، والماليّة، والمعيشيّة، التي بات من المؤكّد وقوف الإدارة الأميركيّة خلفها، ومحاولة الضّغط أكثر على اللبنانيّين، وإرضاخهم من خلال رغيف خبزهم، ودوائهم، وسبل عيشهم الكريم.