مع دخول إضراب موظفي الإدارة العامة المفتوح أسبوعه الثالث، تتصاعد تدريجياً مخاطر حصول نقص في إمدادات السوق بالسلع الغذائية، بحكم توقف العمل كلياً في إدارات الدولة ومنها الدوائر المختصة بوزارات الزراعة والصحّة والاقتصاد المعنية بإجراء التحاليل على البضائع المستوردة. الحلول متعذرة حتى اللحظة، فيما يحتمل ارتفاع أسعار السلع مع استهلاك المخزون.

وأدّى الإضراب في أسبوعه الأول إلى تعطيل كل معاملات تصدير المواد الغذائية واستيرادها. أجريت حلحلة جزئية لمسألة التصدير، لكن استمرّ الشلل في معاملات الاستيراد ما أدى إلى تكدّس الحاويات في مرفأ بيروت ليبلغ عددها ألف حاوية بحسب رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي. ويترافق ذلك مع ارتفاع مخاطر تلف البضائع، وارتفاع كلفة التخزين البالغة "75 دولاراً نقدياً بمعدل وسطي لكل حاوية" يقول بحصلي. وترتفع هذه الكلفة إلى "200 دولار أميركي يومياً للحاويات التي تحتاج بضاعتها إلى تبريد".

ولفت بحصلي في حديثه الى "الاخبار" إلى أن "البضائع العالقة هي بضائع أشهر الصيف. لذلك هنالك مخاوف كبيرة وجدية بأن يحصل نقص في المواد الغذائية إذا طال أمد الأزمة، علماً بأن استهلاك السلع يشهد نمواً لافتاً مع زيادة أعداد المقيمين الآتين من الاغتراب لقضاء الصيف أو بعضه في لبنان".

منير البساط

على صعيد المواد الغذائية المصنّعة محلياً، "لا خوف حتى اللحظة من انقطاع بعض السلع من السوق كون غالبية الصناعيين يملكون في الإجمال مخزوناً من المواد الأولية يكفي لشهر على الأقل. لكن هذا الأمر لا يجب أن يبعث على الاطمئنان. فهنالك العديد من المصانع التي شحّت موادها الأولية والتي قد تضطر إلى الحد من إنتاجها. أما إذا طالت الأزمة أكثر، فقد نصل حكماً إلى شحّ في المواد الغذائية المصنّعة" على ما يوضح رئيس نقابة أصحاب الصناعات الغذائية منير البساط.

نوال نصر

في وجه هذه الأزمة المتفاقمة تقف الدولة عاجزة، وخاصة أنه «يبدو أن المسؤولين غير مدركين بوجود مشكلة. ليس هناك أي محاولة منذ 3 أسابيع حتى الآن لمعالجة أسباب الإضراب وتلبية المطالب، بل محاولات مستمرّة لضرب الإضراب من الداخل والسعي إلى إفشاله، كما وضعنا في مواجهة المواطنين لدفعنا إلى التنازل" وفقاً لرئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر.

الموازنة العامة

على صعيد اخر، يشارك الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي الخميس المقبل في جلسة لجنة "المال والموازنة" البرلمانية، لمناقشة مشروع موازنة المالية العامة لعام 2022، في محاولة لإيجاد توازن بين ما تتوخى الدولة تحصيله من إيرادات ناتجة عن فرق أسعار الدولار الجمركي والخدمات التي يتم تقاضيها على السعر الرسمي (1500 ليرة) بدلاً من سعر السوق الذي بلغ أمس 30 ألف ليرة، وبين رواتب موظفيها.

وكان مقرراً أن تُعقد الجلسة أمس الاثنين، للبحث في بعض المسائل المتعلقة بمشروع الموازنة العامة لعام 2022، كما التشريعات المالية المطروحة حكومياً، بحضور ممثلين عن الحكومة ومصرف لبنان. لكن الجلسة تأجلت بسبب إصابة رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان بفيروس "كورونا".

وقالت مصادر مالية لـ"الشرق الأوسط" إن أهمية هذه الجلسة أنها تبحث في توازن منشود بين إيرادات الدولة المتوقعة بعد رفع بعض التعريفات المدرجة في الموازنة، وبين رواتب موظفي القطاع العام التي تدهورت قيمتها بشكل قياسي. وأشارت إلى أن "الحكومة لا تستطيع زيادة سلسلة الرتب والرواتب، ولا التغيير في سلم الرواتب، لكن سيتم التعويض عن ذلك بسلسلة حوافز مثل المساعدات الاجتماعية والملحقات، مثل بدل النقل وغيره، وذلك لتمكين الموظفين من استكمال مهامهم"، لافتة إلى أن هذا البحث "يلبي جزءاً من مطالب القطاع العام الذي شرع في إضراب قبل أسبوعين".

وقالت المصادر إن السلطات البرلمانية والحكومية "باتت على قناعة بأن هناك قواعد تسعير لليرة مختلفة عن السابق، إذ لا يمكن أن تبقى الرواتب على سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد، في ظل ارتفاع أسعار الخدمات ومتطلبات العيش، كما أن الرسوم وفي مقدمها الدولار الجمركي ستزداد لدى إقرار الموازنة"، لكنها أوضحت أن تسعير الدولار الجمركي "لن يكون بمرجعية منصة صيرفة العائدة لمصرف لبنان، بل يمكن أن يكون تسوياً في حدود الـ8 آلاف ليرة أو في محيط هذا الرقم، فيما ستزداد التقديمات الاجتماعية وملحقات الرواتب في محاولة لصناعة توازن بين القدرات الشرائية والأسعار، خصوصاً أن المتوقع هو أن تتضاعف واردات الموازنة أربعة أضعاف".