تاريخياً، كانت الإستشارات النيابية غير الملزمة، التي يجريها رئيس الحكومة المكلّف بعد تسميته في تلك الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية، البوابة الأساسية لرصد مطالب ​الكتل النيابية​، خصوصاً على مستوى الحقائب والحصص التي تريدها، بالرغم من أنها تكون منذ البداية تدرك جيداً أنها لا تستطيع الحصول على كل ما تطالب به، لا سيما عندما يكون هناك مطالب متناقضة.

في الإستشارات، التي قام بها على مدى اليومين الماضيين رئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​، كان من الواضح أن هناك مجموعة من الكتل التي تتعامل بواقعية مع هذا الإستحقاق، سواء كانت تلك التي تدعو إلى عدم التوقف عند توصيف الحكومة أو طريقة توزيع الحقائب، أو تلك التي رأت أن عمر الحكومة المفترض لا يستحق الدخول في أي مبارزة من هذا النوع، لكن في المقابل كانت هناك مجموعة من الطروحات التي تستحق التوقف عندها.

البداية يجب أن تكون من عودة الحديث عن حكومة الوحدة الوطنية من قبل البعض، بالرغم من وجود مجموعة من الكتل الأساسية أعلنت مسبقاً عدم رغبتها في المشاركة بالحكومة، وبالتالي هذا الطرح ليس منطقياً، خصوصاً أن هذا النوع من الحكومات يحتاج إلى أشهر من المفاوضات والمشاورات، الأمر الذي من غير الممكن التفكير به بالنسبة إلى حكومة يفصلها عن الإنتخابات الرئاسية ما يقارب 4 أشهر.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل طرح البعض الذهاب إلى تشكيل حكومة بصلاحيات إستثنائية، على قاعدة أن هذا الأمر ضروري لإدارة المرحلة، لكن من الناحية العملية هذا الطرح من المستغرب أن يتقدم به نواب لم يمض على إنتخابهم شهرين، نظراً إلى أنه يقوم على أساس تخليهم عن بعضها، بينما المطلوب منهم أن يتمسكوا بها لممارسة دورهم الرقابي والتشريعي على أكمل وجه، خصوصاً إذا ما كان لديهم ملاحظات مسبقة على اسم رئيس الحكومة المكلف.

في السياق نفسه، من الضروري التوقف عند محاولات التذاكي التي تقوم بها بعض الكتل، كـ"اللقاء الديمقراطي" على سبيل المثال، حيث أعلنت عن أنها لن تشارك في الحكومة، لكنها في المقابل أبدت إستعدادها للمشاركة في التأليف، أي أن الكتلة، التي تملك ورقة الميثاقية الدرزية، تريد أن تحصل على "حصتها"، لكن من دون أن تتحمل أي مسؤولية، على أساس أنها غير مشاركة فيها.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن الجزم بأن الإستشارات الفعلية ستبدأ من الآن، أي تلك التي سيقوم بها رئيس الحكومة المكلّف، بعيداً عن الأضواء، مع الكتل التي من المفترض أن تتمثل في حكومته بالإضافة إلى رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، حيث ستختفي العناوين الشعبوية عن الواجهة لتحل مكانها الشروط والشروط المضادّة، وعندها فقط ستتبين القدرة على التأليف من عدمها، لا سيما أن مفاوضات التأليف الفعلية لا يجب أن تطول، في حال كان هناك إمكانيّة لأن تبصر الحكومة النور، نظراً إلى ضيق الوقت المواكب لإنتهاء ولاية رئيس الجمهورية.

هنا، قد يكون من المنطقي الحديث عن أن السيناريو الأقرب إلى الواقع لا يزال، حتى الآن، هو إعادة إحياء حكومة ​تصريف الأعمال​، بعد إدخال بعض التعديلات عليها، بشكل يؤمن لها القدرة على الإستمرار بالعمل بكامل صلاحياتها، خصوصاً أنه سيكون عليها التعامل مع 3 ملفات أساسيّة: المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​، متابعة القوانين المطلوب إقرارها من المجلس النيابي لإستكمال هذه المفاوضات، مفاوضات ​ترسيم الحدود البحرية​ مع ​إسرائيل​، في حين أن كل السيناريوهات الأخرى ستكون بعيدة عن الواقع، لا بل الهدف منها قد يكون عدم الوصول إلى التأليف.

في المحصّلة، لم تقدّم الإستشارات النيابية غير الملزمة أي جديد على مستوى التأليف، باستثناء سعي بعض الكتل والنواب للإستمرار في اللعبة الشعبويّة القائمة منذ اليوم الأول لإنتخابهم، الأمر الذي من المرجح أن يستمروا فيه في المرحلة المقبلة، سواء قادت المشاورات والإتصالات إلى تشكيل حكومة جديدة أو بقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية.