بعد التلهّي ب​الانتخابات النيابية​، وبتسمية ​نجيب ميقاتي​ لتشكيل حكومة جديدة، يبدأ الفصل الثالث من المسرحيّة الرسميّة وهو ​تشكيل الحكومة​. كالعادة، يتم تصويرها على انها الحل لكل المشاكل التي يعاني منها لبنان، وابصارها النور سيكون بصيص الامل المطلوب وسيحمل معه مؤشّرات النهوض بالبلد. ولكن، على غرار الفصلين السابقين، لن تقدم الحكومة الجديدة في الاوضاع شيئاً، ولن تنجز أي أمر، ولمن لا يزال يشكك بهذا الكلام، نحيله الى ما سبق تشكيل الحكومة المستقيلة من اجواء ووعود وتوقعات وآمال، وما حققته خلال الفترة التي كانت فاعلة فيها، وحتى بعد توليها تصريف الاعمال.

لم يكن ميقاتي يحتاج الى اجراء استشارات نيابية ليقرر ما يريد، ولكن التقيد بالتقاليد يطغى على العمل الفعلي، ومن المؤكد ان رئيس الحكومة المكلّف سيتوجه الى بعبدا لتقديم تشكيلة حكوميّة اولّية الى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، ولكن... يدرك ميقاتي انه حالياً، "كل يغني على ليلاه" وهو ليس في وارد تقديم التنازلات غير المطلوبة منه اقليمياً ودولياً، كما حصل في السابق، لان انجاز استحقاق الانتخابات النيابية كان اولوية تسقط امامها كل "اللاءات". ارتضى ميقاتي تكليفه بأصوات نيابية قليلة، ليس لشيء، سوى لانه اصبح في موقع الرابح مهما آلت اليه الاوضاع، لان السناريوهين يصبان في خانته وفق التالي:

-اذا لم تتشكل حكومة: وهو السيناريو الارجح بسبب شدّ الحبال السياسي القائم، سيبقى ميقاتي رئيس حكومة تصريف اعمال، وسيبقى بالتالي متحكّماً باللعبة حتى انتهاء ولاية عون من دون عبء تحديد اي مهلة للتشكيل، فيصبح بعدها المسؤول الاول بين المسؤولين الـ24، الى ان تتضح الارادة الدوليّة حيال هويّة رئيس الجمهورية المقبل، وعندها لكل حادث حديث. ولكن خلال هذه الفترة، سيكون لميقاتي اليد العليا من الناحية المعنوية والسياسية، فاللوم على عدم التشكيل سيجد طريقه الى بعبدا ولن يكون هو في دائرة الاتهام حول تردي الاوضاع التي من المتوقع ان تزداد تردياً، وسيكون اضافة الى ذلك، قادرا ًعلى الرد على اي "زكزكة" سياسية سيواجهها من اي طرف، اكان من عون و "​التيار الوطني الحر​" و"​القوات اللبنانية​" او غيرهم... اضافة الى ذلك، سيعمد الى تنفيذ ما سبق وقاله حتى قبل الاستشارات النيابية الملزمة، لجهة توسيع نطاق تصريف الاعمال، متسلّحاً كالعادة بصلاحيّات الطائفة التي يمثّلها والتي "لن تقبل بأيّ انتقاص" من أيّ طرف.

-اذا تم تشكيل حكومة: هي الصيغة الانسب له، اذ سيبدو انه بالفعل الرجل المناسب في المكان المناسب، وهو نجح في استقطاب الاطراف حوله وتقريب وجهات النظر المختلفة. وسيستفيد حتماً من النقاط التي كسبها في مواجهة التشكيل، كي يعمل على استتثمارها قدر الامكان وقدر المسموح، في بعض القطاعات ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الكهرباء ومرفأ بيروت. كما سيعمل ميقاتي على قطف كل ثمار التأليف ليضعها في سلته، وتوسيع نطاق اتصالاته ومشاوراته الاقليمية والدولية، لعلمه انه سيكون محور الاهتمام في ظل افول نجم عون في الاشهر الاخيرة من ولايته، وحساسيّة البعض تجاه رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، فيبقى وحده في الجهة الرسمية الواجب التواصل معها، خصوصاً وانه سيبقى في الصورة بعدانهاء ولاية رئيس الجمهورية وتحوّل حكومته الى تصريف الاعمال للفترة التي سيستغرقها انتخاب رئيس جديد.

ويتّضح من ذلك، انه من المستبعد التوافق على تشكيل حكومة جديدة في هذه الفترة، وانه في حال سيتم ذلك، فسيكون عبر ولادة قيصرية بتدخل خارجي مباشر، انما من المؤكد انها لن تحمل اي جديد سوى على صعيد الاسماء، وسيكون "التطعيم" افضل الممكن، بحيث يتم "استرضاء" النواب الجدد شكلياً وضم وزراء محسوبون عليهم في الشكل الا انهم فعلياً سيكونون في وادٍ آخر، وادٍ قريب جداً من التيارات والاحزاب السياسية....