في الوقت الذي كانت فيه غالبية القوى تتحدث عن صعوبة في عملية ​تأليف الحكومة​ المقبلة، بالنظر إلى عاملي الوقت والمطالب، كان رئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​ يتحضّر للقيام بحركة "ذكيّة"، الهدف الأساس منها "إحراج" رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، وإخراج نفسه من دائرة "التعطيل"، على قاعدة أنه، كرئيس حكومة مكلّف، قام بما عليه من واجبات، وبالتالي الكرة باتت في ملعب رئيس الجمهورية، ليقرر المسار الذي ستسلكه عملية التأليف.

من حيث المبدأ، فترة التأليف من المفترض أن تكون قصيرة جداً، في حال كانت هناك رغبة في أن تبصر الحكومة النور، نظراً إلى أنّ التركيز، بشكل كامل، سينتقل في شهر أيلول المقبل إلى الإستحقاق الرئاسي، حيث تخفّ اهتمامات مختلف القوى بمفاوضات تأليف حكومة لن تعمر طويلاً.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن ميقاتي اعتمد، في التشكيلة التي قدّمها لعون، على روحيّة حكومة تصريف الأعمال الحاليّة مع إدخال بعض التعديلات عليها، بهدف عدم الدخول في مسار طويل من الأخذ والرد، لكنه في الشكل إرتكب، في عرف رئيس الجمهورية، خطيئة، تتمثّل في تقديم تشكيلة من دون أيّ تشاور مسبق معه، في حين أنّ عون، منذ إنتخابه رئيساً، يقاتل لتكريس صلاحيّته في عملية التأليف، وبالتالي لا يمكن أن يوافق على أن يكون مجرد "متلقٍّ" في نهاية عهده.

في قراءة هذه المصادر، رئيس الحكومة المكلّف أراد، بالإضافة إلى ذلك، أن يؤكّد أن ليس لديه ما يخسره على هذا الصعيد، فهو يستطيع أن يبقى في موقعه إلى ما بعد نهاية العهد، بعد أن ضمن التكليف، بينما رئيس الجمهورية هو الذي يسابق الزمن قبل نهاية ولايته، وبالتّالي إذا إراد أن يمضي الأشهر المتبقية بوجود حكومة فاعلة، ما عليه إلا أن يوافق صيغة ميقاتي، مع إحتمال إدخال بعض التعديلات التي لا تمس بجوهرها، مع العلم أن رئيس الجمهورية كان قد أكد، قبل التكليف، أنه "لم يعد في الإمكان القبول بأفرقاء يسمّون وزراء سياسيين، ونحن نسمّي وزراء تكنوقراط. إما كلها من تكنوقراط، وليس على غرار الحكومة الحالية بعض وزرائها مقنّعون، أو حكومة سياسية".

على هذا الصعيد، يمكن إعتبار أن الخطوة التي قام بها ميقاتي ستمثل عامل ضغط على عون أو فريقه السياسي، نظراً إلى أنها ستضعه في موقع المُعرقل، في حال حصول أيّ تأخير في عملية التأليف، على قاعدة أن رئيس الحكومة المكلف لم يتأخر في تقديم التشكيلة التي يراها مناسبة خلال ساعات، الأمر الذي يبرّر عدم التعامل بسلبيّة كاملة مع هذه الخطوة بشكل علني، بل تمّ الإعلان عن أن رئيس الجمهوريّة سيعمد إلى دراسة التشكيلة، لكن في المقابل يبدو أن ميقاتي لم يأخذ عامل الثّقة بعين الإعتبار، الأمر الذي يتطلب تنسيقه مع القوى السّياسية التي من المفترض أن تمنحها لحكومته.

بالنسبة إلى المصادر المتابعة، الخطوة التي أقدم عليها ميقاتي قد تكون أبعد من الساحة المحلّية، بل هي رسالة إلى الخارج، في ظلّ المعلومات التي تتحدّث عن ضغوط كبيرة، من الممكن أن تمارس، لمنع إستمرار حالة تصريف الأعمال أو الدخول في فراغ رئاسي طويل، أيّ أنّه أراد أن يقول لمن يعنيهم الأمر انه لا يتحمل مسؤولية أي تعطيل أو تأخير من الممكن أن يحصل، وبالتالي التصويب لا يجب أن يكون عليه بل على الشريك الآخر في عملية التأليف.

من الناحية العمليّة، ترى هذه المصادر أن رئيس الحكومة أراد أن يضعف موقع فريق رئيس الجمهورية أو "التّيار الوطني الحر" التفاوضي، خصوصاً أنّ الضغوط الإجتماعيّة والإقتصاديّة قد تلعب دوراً على هذا الصعيد، بالنسبة إلى أيّ فريق من الممكن أن يصور على أساس أنه المعرقل، وبالتالي يجد هذا الفريق نفسه أمام ضعوط خارجيّة وداخليّة كبيرة، في حين أنّ البلاد، في الفترة المقبلة، ستكون على موعد مع مجموعة من الإستحقاقات الأساسيّة، أبرزها التفاوض مع صندوق النقد الدولي وما يحمله هذا التفاوض معه من ملفات أخرى.

في المحصّلة، ملاحظات رئيس الجمهورية على التشكيلة الأولى لن تتأخر في الظهور، أي أنها لن تكون الأخيرة التي تقدّم من قبل رئيس الحكومة المكلّف، لكن الأكيد أنّ النّية بالتأليف تتطلب التمهيد المسبق، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن، بالإضافة إلى الخروج من دائرة تسجيل النقاط.