ما كاد رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي ينهي الاستشارات النيابية غير الملزمة في ساحة النجمة، والتي وُصِفت بـ"الشكلية"، حتى سارع إلى زيارة القصر الجمهوري، لا لإطلاع رئيس الجمهورية ميشال عون على نتائج الاستشارات وجسّ نبضه حول شكل الحكومة، كما كان متوقّعًا، ولكن ليقدّم له التشكيلة الحكومية التي يراها "مناسبة".

فاجأ ميقاتي جميع الفرقاء بخطوته هذه، إذ إنّ أكثر المتفائلين لم يكن يتوقع أن يقدم الرجل على مثل هذه الخطوة قبل نهاية الأسبوع بالحدّ الأدنى، وثمّة من رجّح حصولها نهاية الأسبوع المقبل، وذلك ريثما ينتهي من إجراء الاتصالات اللازمة مع مختلف الفرقاء، ولا سيما الذين أعلنوا رغبتهم بالمشاركة في الحكومة، انطلاقًا من "الحيثية" التي يتمتّعون بها.

ولعلّ ما عزّز "الغموض" حول التشكيلة الوزارية التي قدّمها ميقاتي، والتي يعتقد كثيرون أنّه استند فيها إلى حكومة تصريف الأعمال مع تعديلات شملت بعض الحقائب والأسماء، يكمن في أنّ بعض القوى لم تكن قد حسمت موقفها بعد، ومن بينها "التيار الوطني الحر"، الذي كان رئيسه جبران باسيل أوحى أنّه لم يقرّر بعد المشاركة في الحكومة من عدمها.

إزاء ذلك، تُطرَح العديد من التساؤلات عن "خلفيّات" خطوة ميقاتي السريعة، ولكن ربما "المتسرّعة" أيضًا، فهل هي "مناورة" من جانب الرجل، تنطوي في جانبٍ منها على "تحدّ" للرئيس عون والوزير باسيل بعد السجالات الأخيرة بينهم، أم أنّها، على العكس من ذلك، "محاولة جدية" يمكن البناء عليها لتشكيل الحكومة سريعًا لمواكبة مختلف التحديات؟.

بالنسبة إلى المحسوبين على رئيس الحكومة المكلّف والمقرّبين منه، فإنّ فكرة "التحدّي والمناورة" غير واردة بالمطلق، فالرجل وافق على تكليفه من جانب النواب ليؤلّف حكومة، وليس ليكرّس الفراغ، خلافًا لما يروّجه البعض، وهو بالتالي يريد النجاح في مهمّته، مع إدراكه أن ذلك غير ممكن في حال عدم "التماهي" مع رئيس الجمهورية الذي يبقى توقيعه "إلزاميًا" لتبصر أيّ حكومة النور في نهاية المطاف، وذلك بموجب الدستور.

صحيح أنّ رئيس الحكومة المكلف تعمّد "التكتّم" حول طبيعة وشكل التركيبة الوزارية التي قدّمها لرئيس الجمهورية، إلا أنّ كلّ التسريبات التي سبقت وتلت تقديمها رجّحت أن يكون استند فيها إلى حكومة تصريف الأعمال، مع بعض التعديلات التي راعت النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، وأداء بعض الوزراء في الحقائب التي تولّوها والملاحظات التي تشكّلت عليهم، إضافة إلى مبدأ "المداورة" الوزارية المطلوبة في بعض الحقائب.

ويشدّد المقرّبون من الرجل على أنّ الخطوة "النوعية" التي أقدم عليها يمكن أن تشكّل "أساسًا" يُبنى عليه للإسراع في تأليف الحكومة، فالتركيبة التي قدّمها ليست "مقدّسة"، وهي بالتالي قابلة للتعديل بناءً على الملاحظات والهواجس التي قد يبديها رئيس الجمهورية أو غيره من الفرقاء، لكن على الأقلّ أصبح بين يديه "تشكيلة جاهزة" يمكن الانطلاق منها لإجراء المقتضى، خصوصًا أنّ أحدًا لا يمتلك "ترف" التأخير والمماطلة في ظلّ الظروف الحالية.

لكن، في مقابل هذه "المرونة" التي يوحي بها المحسوبون على رئيس الحكومة المكلف، ثمّة من يعتبر أنّ الرجل أراد عمليًا "رمي الكرة" في ملعب رئيس الجمهورية، للإيحاء وكأنّ الأخير هو من "يؤخّر" التشكيل، بل "الضغط" عليه في مكانٍ ما، إما للقبول بالتشكيلة التي يرتضيها الرجل، أو تحميله مسؤولية أيّ "فراغ" في السلطة التنفيذية يسبق الانتخابات الرئاسية، وهو ما يناقض دوره الجوهري بوصفه "شريكًا دستوريًا" في عملية التأليف.

ولعلّ ما يخشاه كثيرون، ويستندون إليه في الحديث عن "مناورة"، ينطلق من التسريبات التي تحدّثت عن "شطب" ميقاتي لأسماء بعض الوزراء من باب "الكيدية السياسية"، وتحديدًا وزير الطاقة وليد فياض، وخصوصًا إذا ما ثبت أنّ مبدأ "المداورة" الذي يتحدّث عنه الدائرون في فلك رئيس الحكومة المكلف يبقى "محصورًا" بحقيبة الطاقة دون غيرها، عبر استبدالها بالاقتصاد، من دون أن يشمل حقائب أخرى، كوزارة المال التي تعتبرها "حركة أمل" مكتوبة باسمها.

وهنا، ثمّة أسئلة كثيرة يطرحها خصوصًا المقرّبون من "التيار الوطني الحر"، من بينها: كيف يقدّم رئيس الحكومة المكلف تشكيلة وزارية قبل أن يبدأ المشاورات "الجدية" حتى مع الفرقاء، خصوصًا أنّ أيّ تواصل جدّي لم يحصل مع "التيار"، باستثناء اللقاء الذي دار في ساحة النجمة، والذي لم يدخل في أساسيّات التأليف بدليل التصريح الذي أدلى به الوزير باسيل بعد انتهائه؟ وبالتالي كيف تمثّل "التيار" في الحكومة، ومن الذي اختار وزراءه في هذه الحالة؟.

يقول المقرّبون من "التيار" إنّهم يتفهّمون هاجس "السرعة" الذي ينطلق منه رئيس الحكومة المكلّف، خصوصًا في ظلّ الحديث عن وجود "رغبة" لدى الكثير من الفرقاء بعدم تأليف حكومة، قبل الانتخابات الرئاسية، ما قد يدخل البلاد في "المجهول"، في حال وقوع فراغ في سدّة الرئاسة كما هو مرجّح، ولكنّ هذه "السرعة" لا يفترض أن تتحوّل إلى "تسرّع"، وعليه احترام دور رئيس الجمهورية الذي فرضه الدستور "شريكًا" فعليًا لا شكليًا في تأليف الحكومات.

باختصار، يشدّد المحسوبون على رئيس الحكومة المكلف على "حسن نوايا" الرجل، ويؤكدون أنّه لا يسعى إلى "تحدّي" أحد، وأنّ "المغزى" من تقديمه تشكيلة حكومية إلى رئيس الجمهورية من دون إبطاء، هو التأكيد على رغبته بتشكيل حكومة في أسرع وقت. إلا أنّ "العبرة" تبقى في "الخواتيم"، خصوصًا أنّ "التسريبات" لا توحي حتى الآن بوجود أيّ "تقاطع" أو "جدية" مع شركائه المفترضين في عملية التأليف، وهنا بيت القصيد!.