على غرار "لعبة الكراسي والموسيقى" التي يدور فيها الاشخاص ليجلسوا على كرسي بعد توقف الموسيقى، دخلت ​رئاسة الجمهورية​ و​رئاسة مجلس الوزراء​ (عبر رئيس الحكومة المكلف)، المداورة في الشكوى من انتقاص الصلاحيّات. وبينما كانت رئاسة الحكومة غالباً ما تصرخ مطالبة بعدم المسّ بصلاحياتها او السيطرة عليها من قبل رئاسة الجمهوريّة، وخصوصاً في مسألة ​تشكيل الحكومة​، انتقل الدور بالامس الى رئاسة الجمهوريّة لتصرخ وتنادي بحفظ حقوقها. لا شكّ انّ ما قام به رئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​، لجهة تسليم رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بعد ساعات قليلة على انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة في مجلس النواب، دليل واضح على انه لم يستمزج رأي عون بالموضوع، وانه لا يرغب بذلك. ومقارنة بما حصل حين تم تكليفه المرّة الاولى، بدا وكأنّ ميقاتي اختار ان يكون شخصيّة اخرى، غير تلك التي كانت اكدت ان زياراته الى قصر بعبدا ستتوالى ليل نهار ويومياً اذا اقتضى الامر، حتى تشكيل الحكومة، نظراً الى ضرورة هذا الموضوع ورأفة بالناس. وحتى حين شهدت هذه الزيارات توتراً في الاجواء، أبقى ميقاتي نوافذه الحواريّة مفتوحة، الى ان افضت الامور الى التوافق على تشكيلة حكومية ابصرت النور.

زوار ميقاتي يتحدثون عن انه استند الى صعوبة ما عانى منه في التكليف الاول، لتسريع عمليّة تقديم التشكيلة الحكومية، وشددوا على ان الابواب مفتوحة لبحث اي اسم او وزارة، انما ضمن المحافظة على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، ونقلوا اتّهامه اشخاصاً معيّنين بتسريب التشكيلة الحكوميّة الى الاعلام بهدف حرقها، معتبرين انّ الهدف من ذلك هو اغلاق الابواب امام المساعي الهادفة الى التشكيل، ومؤكدين سعي ميقاتي الى تسريع الخطوات من اجل ان تبصر ​الحكومة الجديدة​ النور، وهذا هو الهدف من تعديل بعض الاسماء بدلاً من نسف الحكومة والمجيء بأخرى جديدة كلياً.

في المقابل، ينقل زوار بعبدا عن عون حرصه على الاسراع في تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، والى انه يسعى من خلال هذه الحكومة الجديدة لايصال مواضيع كثيرة الى خواتيمها وفي مقدمها التحقيق المالي الجنائي، و​ترسيم الحدود البحرية​ للمباشرة في وضع مشاريع التنقيب عن الغاز والنفط موضع التنفيذ، ناهيك عن مسألة اعادة ​النازحين السوريين​ الى بلادهم، مع التأكيد ايضاً على وجوب عدم المس بصلاحيات الرئيس المتبقية والتي لم تعد كثيرة بالاصل، وباتت محصورة في عدد قليل من المسائل ومن بينها التوقيع على التشكيلة الحكومية بالاشتراك مع رئيس الحكومة المكلف.

ومع التقاء الرجلين على ضرورة التشكيل والسرعة في هذا المسار، كانت الاسئلة تزداد حول سبب حرب المستشارين التي اندلعت لساعات قبل العمل على تطويقها، وعما اذا كان الهدف منها اظهار كل طرف من الطرفين بأنه على استعداد للحفاظ على الصلاحيات المناطة بالموقع الذي يشغله، فسألت مصادر السراي الكبير عمّن سرّب اللائحة الى الاعلاميين عصراً، بخط اليد مع الاشارات التي لم تكن عليها عند تسلميها؟ فيما سألت مصادر بعبدا عمن سرّب معلومات عن التشكيلة لاحدى المحطات التلفزيونيّة باكراً، مذكّرة بأن رئاسة الجمهورية عانت من لعبة التسريبات ابّان تكليف النائب السابق سعد الحريري تشكيل الحكومة، وانها عانت ما عانته في هذا السياق لجهة تهميش دور الرئاسة والرئيس في هذا المجال، وعما اذا كان الهدف من تسليم تشكيلة حكومية من دون تشاور او فتح خطوط تواصل مع عون يصب في هذا السياق ايضاً؟.

انها لعبة الصلاحيات التي يختبئ خلفها كل طرف عند الحاجة اليها، بينما من المفترض ان يكون الاهتمام بالصلاحيات التي يجب ان تعطى للناس كي يتمكنوا من ان يؤمنوا لقمة عيش كريمة لهم ولعائلاتهم، وبالاصلاحات التي يجب اعطاؤها للبلد للنهوض من ازمته الكارثية التي يعيشها.